حكم ختم القرآن في صلاة التراويح
حكم ختم القرآن في صلاة التراويح
  | قسم المشرف, ما يتعلَّق بصلاة التراويح   | 6514

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم ختم القرآن في صلاة التراويح

 

سُئِلَ الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله تعالى-:

إذا عزم الإمام في التراويح أن يختم القرآن فهل فعله هذا صحيحٌ أم لا؟ وهل ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أفدني بارك الله فيك.

 

فأجاب:

الذي أعرفه أنه لا دليل على ذلك، ووجدتُ بخط شيخنا حماد الأنصاري -رحمه الله- عن مالك -رحمه الله-: «ليس من السنة ختم القرآن في رمضان» يعني صلاة التراويح. وهذا نسبه الشيخ للذهبي -رحم الله الجميع-.

وإنَّ الحرص على ختم القرآن في صلاة التراويح جماعةً فيه أمورٌ تخالف الأدلة الشرعية وما عليه السلف الصالح؛ ومنها:

(1) الاهتمام بختم القرآن وإهمال التدبر له والعناية بالوقوف عليه بالتؤدة والأناة، قال الله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا، وقال سبحانه: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.

 

(2) التطويل على المصلِّين والإشقاق عليهم؛ وهذا منهيٌّ عنه كما في السنة: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير» الحديث [رواه البخاري].

 

(3) أن قراءة الأئمة بحسب سرعتهم وبطئهم وتوسُّطهم ثبت أنهم يضبطون عليها بمقدار عدد الآيات التي يصلون بها، وهذا لا يتأتَّى معه ختم القرآن وليس هذا من المطالب الشرعية بخلاف ما لو صلى المصلي أو الإمام وحده «وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء» [رواه البخاري].

 

(4) الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- في قراءته للقرآن التمهُّل والوقوف عند رؤوس الآيات، وهو الأسوة والقدوة -صلى الله عليه وسلم-، والسعي لختم القرآن لا يمكن فيه مراعاة هذا الهدي لأن الإمام سيكون همُّه الختمة فحسب. قال بعض السلف: «اقرأ القرآن ولا يكن همك آخر الصفحة»، ومخالفة هذا سيترتب عليه:

 

(5) العجلة في الصلاة وعدم إقامتها وفق هدي صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الموصوفة بالحُسْن وتشابُه وتقارُب أجزائها.

 

(6) أنه لا دليل -حسب علمي- يأمر ويحثُّ على ختم القرآن في صلاة التراويح جماعةً على وجه الخصوص.

 

(7) أن ذلك من أسباب زيادة بعض الناس على العدد الثابت من عدد ركعات صلاة الليل الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في السنة وأنها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، والاقتصار عليه وقوفٌ مع النص ومع ما كان عليه إحياؤها على يد خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر -رضي الله عنه- وهو الأَوْلى تجاه النص، وهذا ما بيَّنه علامة الشام الألباني -رحمه الله- ونقله عن بعض السابقين، ومَن تأمَّل قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» [رواه البخاري] وذا ثابت أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس -رضي الله عنهم- حسب ما أذكره إن شاء الله؛ أقول مَنْ تأمل قولها (في رمضان) عَلِمَ التنبيه أنه حتى في هذا الشهر العظيم -محل التشمير عن العبادة والإقبال على الله- لم يَزِدْ -صلى الله عليه وسلم- في عدد ركعات قيامه بالليل مع حرصه -صلى الله عليه وسلم- على طاعة ربه وتفانيه في ذلك لازَمَ هذا العدد. وخير الهدي هديه -صلى الله عليه وسلم-، وجميع العلماء متفقون على أن الاقتصار على ذلك العدد هو الأَولى لأنه الفعل الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم-، بل أدَّت هذه الزيادة من بعضهم إلى تخصيص العشر الأواخر من رمضان بما يسمونه بالتهجد -والتهجد ثابتٌ بغير معناهم وفعلهم-، وكذا ما يسمى بدعاء ختم القرآن مع ما فيه من بدعٍ وإحداثٍ وتعدٍّ، نسأل الله العافية.

 

إضافةٌ وتنبيهٌ:

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: «الوِترُ حقٌّ فمن شاءَ أوترَ بسبعٍ ومن شاءَ أوترَ بخمسٍ ومن شاءَ أوترَ بثلاثٍ ومن شاءَ أوترَ بواحدةٍ» [صحيح سنن النسائي]، فهذا يفيد جواز النقص والإقلال من صلاة الإحدى عشرة الركعة في صلاة الليل، وهذا داخلٌ لا محالة في بيان أمِّنا عائشة وغيرها -رضي الله عنهم- : (ما زاد….). ومع ذلك لا تجد الكثيرين يهتمون بهذا -إلا من وُفِّقَ- ومن وقف على ذلك منهم ومن الأئمة لا يفعله ولا يطبقه مع قيام الداعي إلى ذلك أحياناً في صلاة التراويح؛ لأن غايتهم تلك الختمة المرادة مع أنهم لو فعلوا ذلك لكانوا ممن ينشرون هديه -صلى الله عليه وسلم- في الناس وتفهيمهم له، وحتى لا يعتقد المسلمون أن ذاك العدد لا مناص منه وأنه لازِمٌ حتمٌ وإن كانوا قد يحتاجون لهذا التخفيف الثابت، بل زادوا على الثابت بلا دليل معتبر ولا نص صريح.

 

كتبه

نزار بن هاشم العباس

2/رمضان/1437هـ

موقع راية السلف بالسودان