بسم الله الرحمن الرحيم
حكم صوم يوم السبت في غير الفرض
قال الشيخ العلامة المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-:
قوله تحت عنوان: النهي عن إفراد يوم السبت بصيام: “عن بسر السلمي عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم”… رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي”.
قلت: اختلف العلماء في هذا الحديث فقواه من ذكر المؤلف وقال مالك:
“هذا كذب”.
وضعفه الإمام أحمد كما في (تهذيب السنن) وقال النسائي:
“هو حديث مضطرب” وبه أعله الحافظ في (بلوغ المرام) فقال: “ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك”.
وقد بين الاضطراب فيه الحافظ في (التلخيص6/472) فليراجعه من شاء.
ثم تبين لي أن الحديث صحيح وأن الاضطراب المشار إليه هو من النوع الذي لا يؤثر في صحة الحديث لأن بعض طرقه سالم منه وقد بينت ذلك في (إرواء الغليل 960) بياناً لا يدع مجالاً للشك في صحته.
وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله: “إلا فيما افترض عليكم” فإنه كما قال ابن القيم في (تهذيب السنن):
“دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الأفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها”.
قلت: وأيضاً لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى.
وإذ الأمر كذلك فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت كحديث ابن عمرو الذي قبله ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعاً بينه وبين تلك الأحاديث وهو الذي ملت إليه في (الإرواء).
والذي أراه -والله أعلم- أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان:
الأول: مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقله عن ابن القيم.
والآخر: أن هناك مجالاً آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ومنها:
أولاً: قولهم: إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح.
ثانياً: إذا تعارض القول مع الفعل قدم القول على الفعل.
ومن تأمل في تلك أحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين:
الأول: من فعله صلى الله عليه وسلم وصيامه.
الآخر: من قوله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمرو المتقدم.
ومن الظاهر البين أن كلاً منهما مبيح وحينئذ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر وهي مبيحة. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: “أتريدين أن تصومي غداً” وما في معناه مبيح أيضاً فيقدم الحديث عليه.
هذا ما بدا لي فإن أصبت فمن الله وله الحمد على فضله وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفره من ذنبي.
[تمام المنة في التعليق على فقه السنة/ 405-408]
موقع راية السلف بالسودان
www.rsalafs.com