وقفةٌ مع ما يُسمَّى بالإضراب وإضراب بعض الأطباء في بلاد السودان
وقفةٌ مع ما يُسمَّى بالإضراب وإضراب بعض الأطباء في بلاد السودان
  | قسم المشرف   | 772

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفةٌ
مع ما يُسمَّى بالإضراب

وإضراب
بعض الأطباء في بلاد السودان

سُئِلَ فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله-:

هناك لجنة مكوَّنة من جمعٍ من الأطباء تُسمَّى لجنة أطباء السودان المركزية قرَّرَت
القيام بإضراب عن العمل في جميع مستشفيات السودان بكافة الولايات لتحقيق مطالب
تحسين بيئة العمل لأن المستشفيات الحكومية لا تتوفر بها الأجهزة البسيطة المنقذة
للحياة، والعنابر بها سراير رديئة جداً وغير كافية تكون مشتركة والبقية في
الأرض… فما حكم هذا النوع من الإضراب؟

الجواب:

الإضراب لا دليل عليه في شرع الله الإسلام بل هو مخالفٌ له كل مخالفة، ومصدره التقليد الأعمى لأهل الكفر ومن لا دين له يَحْكُمُه؛ فإنَّ هذا الإضراب الطبي وما يترتب عليه من
ضررٍ وفسادٍ أعظم من ضرر ما لأجله قام الإضراب وأصحابه به؛ فإنه لو ماتت نفسٌ
واحدةٌ بسببه فإنها في عنق هؤلاء وهم من أسباب موتها وهلاكها، وكذا لو لَحِقَ بها
ضررٌ عليهم التبعة في ذلك. وليس في الإسلام إضرابٌ ولا اعتصاماتٌ، هنالك أحكام
الإسلام وعقيدته وضوابطه.

كان على هؤلاء الأطباء السير على منهج الإسلام في التعامل مع مثل هذه الأخطاء والتقصير وأيِّ خللٍ يرونه برفع كل ذلك إلى جهات الاختصاص وبيانه، وهُم -أعني الأطباء- في عملهم ومهنتهم الشريفة يصبرون ويصابرون ويحتسبون ويسعون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومداواته وإدراكه فإن استجابت تلك الجهات فلله الحمد وإلا فقد أدوا الذي عليهم وليس عليهم من شيءٍ لأنهم بيَّنوا ونصحوا بالأسلوب الشرعي الذي فيه الخير والصلاح للجميع وللمرضى على وجه الخصوص.

وفرقٌ كبيرٌ بين أن نؤدي الواجب تجاه المرضى بكل أصنافهم ودرجاتهم بما هو متاحٌ تحت
أيدينا -ولو بتوجيهٍ وإرشادٍ- وبين ترك كل ذلك بالإضراب؛ فإن هذا تعمُّدٌ وقَصْدٌ
يتعلق بذمة الطبيب وتلحقه التبعة لأنه عمد إلى رفع يده بالكلية عن المرضى فحصلت
المفسدة والضرر وربما بفوات نفسٍ بقصدٍ وإصرارٍ، بخلاف لو قَدَّمَ ما بوسعه واجتهد
فإنه أدى ما عليه من الواجب وله أجر اجتهاده إن شاء الله.

فَزَعْمُ أن الإضراب لمصلحة الناس والمرضى و.. و.. و.. إلخ نوعٌ من المجازفة بأرواح العباد وصحتهم وتعريضهم بقصدٍ وتعمُّدٍ لفوات صحتهم بل حتى حياتهم، والله يقول في شأن قتل نفسٍ واحدةٍ: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ
فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعَاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعَاً))
.. هذا هو الإسلام
العظيم وأحكامه؛ ينادي كل العقول السليمة والنفوس السوية الحريصة على كل خيرٍ، فحرمة النفس المسلمة ودمها عند الله أعظم حرمة من الكعبة بيت الله، فكيف نجازف بها
ونزهقها بإضرابٍ لا يمتُّ إلى شرع الله بصلةٍ مطلقاً بل هو تصرفٌ ومنهجٌ دخيلٌ وَرَدَ
علينا من أهل الكفر والضلال الذين لا يحكمهم دينٌ صحيحٌ ولا عقلٌ رشيدٌ.

فعليناجميعا أن نتقي الله سبحانه وتعالى في خلق الله، وعلى الأطباء الصبر والمصابرة والاجتهاد وعدم التقليد الأعمى وألا يكونوا كالإمعة؛ فإن الله سيسألهم عن علمهم وعملهم ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ))، نسأل الله أن يصلح حالنا جميعاً، وأن يوفق ولاة الأمر لعلاج كل هذه القضايا، وأن يبصِّرهم بها، وأن يجعلهم رحمةً على العباد والبلاد، وأن يوفق الأطباء
لما يحبه ويرضاه، وأن يثيبهم خيراً على ما بذلوا ويبذلون تجاه العباد، وأن يخلص
نيات الجميع لله لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.

كتبه 

نزار بن هاشم العباس

7/ المحرم/ 1438هـ

www.rsalafs.com