فَائِدَةٌ تَرْبَوِيَّــةٌ مَنْهَجِيَّةٌ: مَنْ خَلْقِ الله لِلْهــرِّ
فَائِدَةٌ تَرْبَوِيَّــةٌ مَنْهَجِيَّةٌ: مَنْ خَلْقِ الله لِلْهــرِّ
  | قسم المشرف   | 230

بسم الله الرحمن الرحيم

فَائِدَةٌ تَرْبَوِيَّــةٌ مَنْهَجِيَّةٌ:

مَنْ خَلْقِ الله لِلْهــرِّ

• مِنْ العِبَر التي تؤخذُ مِنْ خَلْقِ الله للهِرِّ:

أنَّ الأم حين تستشعر خطراً قادماً على أبنائها تحملهم بأسنانها بعَضِّةٍ خفيفةٍ بعيداً من الخطر، وربَّـما تزجر بعنفٍ ابنَها -ولو بضربةٍ بيدٍ أو صرخةٍ- لتحميه؛ لأنه لم يصل حدَّاً للتمييز والإدراك، فتحميه بما قد يكون مؤلماً وعنيفاً عليه.

لكن ذلك عين الشفقة والرحمة والحرص والحماية والتحصين، وهكذا هو حال المعلِّم الصادق والمربِّي الربَّاني مع أبنائه وتلاميذه، بين اللين والشدَّة والرقَّة والقسوة يكون تعليمه وتوجيهه وعنايته لمن استرعاه الله من الناشئة والطلاب. وهؤلاء عليهم السمع والاعتناء بالتوجيه والإرشاد والتحذير الذي يأتيهم من معلِّمِهم الثِّقة الخبير الحريص وإنْ لم يَعْوُا ويُدْرِكُوا ما نُبِّهُوا وحُذِّرُوا لأنهم في بداية الطريق ودرجةُ الإداك لا زالت عنهم بعيدةً، وكذا سلامة النظر وحصافة الفراسة.

لذا كان شأن المعلِّم والشيخ عند السلف عظيماً؛ فوجَّهوا ونبَّهوا أن يتربَّى الطلاب والناشئة على علماء وشيوخ السُّنَّة لأنهم أهل الأمانة والثقة والنباهة والفطنة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

لكن لـمَّا طال الأمَدُ بالجهل والغفلة بأنواع الهوى وارتفعت رايات الباطل وظَهَرَ المتعالمون وأدعياءُ العلم ومهووسوا الصدارة والرويبضة وزَهِدَ مع شرِّ ذلك الجمهورُ السائدُ عن السلف ودينهم ومنهجهم القويم وأصول تربيتهم المستمدة مِن شرع الله ثم مِن ما مَنَّ الله عليهم من خبرةٍ وحصافةٍ وفراسةٍ فضلاً عن معرفةٍ بالحق تامَّةٍ وعُمْقِ فَهْمٍ مع غاية التمييز بين الحق وأهله وبين الباطل والهوى وأتباعه.

أقول: لـمَّا زُهِدَ في هذا الأصل الأصيل حصل في الأمة ما حصل من الشرِّ والضياع؛ لأنَّ وظيفة العلم والتعليم والتوجيه والإرشاد في كل الميادين -إلا القلَّة القلية ممن رحم الله وعصم- نالـها من لا يستحقها ومن ليس لها بأهلٍ ولا صاحب؛ فصار الناس -إلا من عصم الله واصطفى فرحم- همجاً رعاعاً أو غوغاء مع كل ناعقٍ، فصَدَقَ -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظِر الساعة» لأن الأمانة كما جاء في ذات النص قد ضُيِّعَت، والله المستعان.

كتبه

نزار بن هاشم العبَّاس

خرِّيج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة

والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان

5/ رمضان/ 1435هـ