تذكيرُ أهلِ الإسلام والصَّفَاء ببعض عِظاتِ وأحكامِ الشِّتاء (نسخة مزيدة)
تذكيرُ أهلِ الإسلام والصَّفَاء ببعض عِظاتِ وأحكامِ الشِّتاء (نسخة مزيدة)
  | قسم المشرف   | 1946

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تذكيرُ أهلِ الإسلام والصَّفَاء

ببعض عِظاتِ وأحكامِ الشِّتاء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه أجمعين

أما بعد ؛

فإن الشتاءَ يحملُ دروساً عقديةً وأحكاماً فقهيةً وعِظَاتٍ وعِبَراً:

أما العَقَدِيَّة والعظات والعبر فمنها ؛

  • إثبات قدرة الله على فعل ما يشاء ويختار ولا معقِّب لحكمه وإرادته.

2 أن الله سبحانه يُقَلِّب خَلقَهُ في نعمه بما يشاء لهم ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾]القصص 68[.

3 أن الله لم يخلق شيئاً عبثاً لا حِكمة فيه ،كما هو في فصول هذه السنة ومنها هذا البرد والشِّتاء فكم فيه من حِكَم وفوائد تَعُمُّ الإنسان والحيوان والجَماد.

4 أن الشتاء مدرسةٌ وتربيةٌ على استشعار العبد لضعفه وحقارته وأنه لا يطيق هذا البرد ويقاومه إلا بالله

وما منَّ عليه من نعم عظيمة يلجؤ إليها من ثياب ومدافيء وأغطية وغيرها، يُرَبِّيه على الخوف من الله إذا كان يخاف من بعض خلقه فيرجع إليه خائفاً راهباً لأنه خالقُ الخوفِ والأمانِ سبحانه وتعالى ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾]آل عمران 175[.

5 أن الله خلق الدنيا لبني آدم ليعبدوه وحده لا شريك له بكل أنواع العبادة القلبية والعملية ، وخلق لهم هذه الفصول لصِحَّة أبدانهم وقُوَاهم لتقوى على عبادته وطاعته ، لأن الهواء لو كان على حال واحدة لحصل فساد لحال الدنيا وما فيها وفسدت الطباع وحلّت بالأبدان الأمراض فضَعُفَت حينها عن القيام بحق الله عليها فخالف الله لها هذه الفصول وجعل فيها ما يناسبها ويلائِمها من النعم لتحقيق هذه الغاية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾] الذاريات 56[،﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾] البقرة 29 ]

لذا كان من توجيه الله لعباده أهل العقول والبصائر أن يتفكروا في خلقه ليزدادوا إيماناً ويقيناً وتعظيماً لله وحباً له وخشية ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾]البقرة 164[فالتفكّر في هذا يُورِثُ الإيمان واليقين :اليقين بالله الحق ودينه الحق ولقائه الحق ، ولذا قال أولو الألباب بعد تفكرهم في الخلق

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾] آل عمران 190-191[لأجل هذا قاموا بعبادته وأقبلوا عليه وخافوه وخافوا عذابه

وكل هذا وذاك يورث في العبد مدى افتقاره إلى ربه وأنه لا غنى له عنه طرفة عين فيدعوه لكل حاجاته وهو مُوقن بإجابته مع قدرته سبحانه على كل شيء وأنه لا يُعجِزه شيء فهو القادر على كل شيء فيفرح بربه ويُخبِتُ له ويُحبُّه.

“سبحانك فقنا عذاب النار”

وثبت في السنة الصحيحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اشتكت النار إلى ربها وقالت:أكل بعضي بعضاً ،فجعل لها نفسين : نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف ، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير وأما نفسها في الصيف فسموم))]أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في السلسلة [

فهذه قدرة الله الباهرة ” الذي أنطق كل شيء”وجعل شدة البرد و الحرِّ ذكرى للعباد و لتخويفنا من عذابه بناره التي جعلها عذاباً لأهل عصيانه حراً وبرداً نسأل الله العافية والسلامة في الدارين﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَل الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾] لقمان 11[؟؟! فهنيئاً لمن منَّ الله عليه بتوحيده واستقام بعقيدة الإسلام له فعبده وحده لا شريك له يعلم أن الأمر كلّه بيده وإليه يرجع وتعساً كل تعاسة لمن ضلّ في توحيده وعقيدته وتعلّق قلبه بغير ربّه وخالقه من المخاليق العاجزين﴿قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً﴾]الإسراء 56[فلوا جتمعت الجن والإنس على تغيير فصل الشتاء – وغيره – وحماية من أراد الله إضراره وابتلائه به ببرده وخطره ولأوائه لرجعوا خائبين خاسرين خاسئين فكيف يدعو من دعا غير ربه مولاه ويرجو غيره طالباً الخير أو دافعاً لشر!!! فاللهم لا تضلّنا بعد إذ هديتنا وارحمنا ولا تعذبنا بذنوبنا وبرحمتك وفضلك وحدك توفنا وأنت راضٍ عنَّا.

6 – التذكير بالجنة ونعيمها و كمال لذاتها و خيراتها وسلامتها وما فيها من الشدائد – كشدائد البرد والحر- والمخاوف والآفات والشرور والأخطار وسائر المنغصات والآلام قال تعالى﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾] الأعراف 49 [،﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا

وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾]الإنسان 13[والزمهرير البرد الشديد ،﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾]طه 119 [

فاللهم اجعلنا من أهلها .

 

ثم لنعلم أن للشتاء والبرد أحكاماً فقهية تخصه في دين الإسلام تمثّل كماله وشموليته وكل ذلك من رحمة الله ومنته على المسلمين ومن ذلك حسب الأدلة الشرعية:
‏1- على المسلمين ألا يَتَضَجَّرُوا وتضيق صدورهم بما قضاه الله وقدَّره من شدة البرد وأنواع البلاء به ، بل عليهم الرضا عن الله والصبر على قضائه فيَحرُم سبُّ البرد وما فيه من شدائد لأنّه من خلق الله الحكيم الخبير وقد ثبت في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ؛ يسبُّ الدَّهر، وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلِّب الليل والنهار)
)]متفق عليه[
و البرد و الحَر و المطر و و …إلخ.كلُّ ذلك من خلق الله تعالى لا يُسَب ؛ لأن سبَّه سبٌّ لله والعياذة بالله لأنُّه الخلَّاق الحكيم العليم ،ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الدَّهر والرِّيح
ذلك لأنَّ السآب مع إساءته لربه وحكمته ليس براضٍ عن الله وساخط عليه وعلى أفعاله سبحانه وتعالى .

2- أن من المسالك الشرعية الأخذ بالأسباب والوسائل التي أنعم الله بها على الناس للوقاية والتوقي من البرد وشدته وأذاه من ألبسة وأغطية ومدافيء…إلخ ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل 81] والسرابيل: ( أي اللباس والثياب تقيكم الحر ولم يذكر البرد لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النعم وآخرها في مكملاتها ومتمماتها ،-و- وقاية البرد، من أصول النعم) [تفسير السعدي ص408 ] فهذه أسباب مشروعة فمن فرط فيها مع مقدرته عليها وجازف معرضاً عنها ومعرضاً نفسه للهلاك فقد غامر بأمانة حق حياته وبدنه وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-: “ فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لِزَوْركَ ضيفك عليك حقا [رواه البخاري ومسلم] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾[النساء 29].

3- يُشرَع للمؤذِّنين للصلوات في البرد الشَّديد أن يقولوا في أذانهم :”فمن قَعَدَ فلا حَرَج – أو- صَلُّوا في رِحالكم- بُيوتكم ومَحَالِّكم – “وهذا بدلاً من قول “حي على الصلاة ” فقد جاء في السنة :((ومن قعد فلا حرج. يقوله المؤذن في آخر أذانه في اليوم البارد))] صححه الألباني في السلسلة [

و”ما جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل :حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم،  فكأنَّ الناس استنكروا ! قال : فعله من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض “ويشرع أيضاً:

4- الجمع بين الصلوات الظهر مع العصر و المغرب مع العشاء بأذان واحد وإقامتين وقد ثبت في السنة من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنه قال “ جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر ، قيل له:  لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يُحَرِّج أمته ” ]أخرجه مسلم في صحيحه ].

من كلام العلماء حول الجمع بين الصلاتين في المطر و البرد و الظلمة

أولاً: فتوى العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –

السؤال :

هذا السائل أ. ف. من سوريا يقول أعمل في رعي الأغنام وأحياناً يكون البرد شديداً جداً فأصلي بعض الصلوات في غير أوقاتها كأن أجمع الظهر مع العصر و المغرب مع العشاء فوجهوني جزاكم الله خيراً؟
الجواب :

لا حرج عليك أن تصلي جمعاً فتجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء إذا كان في صلاتك كل صلاة في وقتها حرج عليك لقول ابن عباس رضي الله عنهما((جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر))قالوا: ما أراد إلى ذلك – يعني ما السبب أنه فعل هذا – قال (( أراد ألا يحرج أمته )) فيؤخذ من هذا الحديث أن كل ما فيه حرج على الإنسان فإنه يجوز أن يجمع من أجله بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فإذا كان البرد شديداً ويشق عليكم أيها الرعاة أن تتوضئوا لكل صلاة فاجمعوا بين الظهر والعصر إما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأيسر واجمعوا بين المغرب والعشاء إما جمع تقديم و إما جمع تأخير حسب الأيسر ولا حرج عليكم في هذا بل هذا مما يحبه الله عز وجل لأنه لكرمه وفضله يحب أن يأتي عباده ما رخص لهم فيه .

[المصدر :موقع الشيخ ابن عثيمين ].

 

 

ثانياً : فتوى العلامة الشيخ عبيد الجابري – حفظه الله –

يقولُ السائل: فضيلة الشيخ جماعةٌ صلَّت المغرب والعشاء جمع تقديم، وذلك بسبب الرياح والبرد الشديد، وهم ليسوا بمسافرين، وكان هناك مسجد لم يجمعوا بين الصلاتين، وبعض الناس الذين جمعوا بين الصلاتين أعادوا صلاة العشاء مع أهل المسجد الآخر.

السؤال: ما حكم الجمع بين الصلاتين في هذه الحالة؟ وما حكم إعادة الصلاة في المسجد الآخر؟

الجواب:في الرِّياح الشديدة، والأمطار الشديدة، والعوارض التي تحصل للبلد – شدة برد، شدة رياح، شدة أمطار – يغلب على ظنِّهم أنَّ مع هذا المطر لا يستطيع الوصول للمسجد، أو إِذَا وصلوا إليه يصعب عليهم الخروج يصلُّون المغرب، ويغلب على ظنِّهم أنَّ العودة تشق عليهم؛ يجمعون، فهذا هو الأصل.

وأمَّا من صلى في المسجد الآخر فلعلّها نافلة لهم – إن شاء الله تعالى -، لكن ننصح أن لا يعودوا إلى مثل هذا  لقوله – صلَّى الله عليهِ وسلَّم -: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)). نعم.

[المصدر : موقع ميراث الأنبياء .].

وعلى ذلك فيجوز للمسلم أن يُصلِّي في داره عند البرد الشديد حتى ولو لم يقل المؤذن في أذانه “صلوا في رحالكم”إما بسبب جهله أو نسيانه أو غفلته أو إعراضه ، وعلى هذا فلا حرج أن يجمع النساء – وكذا أهل الأعذار – في بيوتهنَّ بين الصلوات أيضا إذا وجدنَ الحَرج الحِسِّي والمعنوي لعموم هذه الرخصة في البرد والمطر و غير ذلك من الأعذار والله أعلم .

ويجوز أيضا:

5التيمم للصلوات عند شدة البرد أو لخوف الضرر والأذى ولومن جنابة وطهر امرأة من حيض أو نفاس والتيمم يكون بكل ما صعد طاهراً من الأرض وترابها و صخرها وكذا بالجدر ولا يشترط أن يكون لما يتيمم به غبار صاعد لأنه لا دليل عليه مطلقاً فقد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم بضربة على جدار قال تعالى

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً﴾]النساء 43[

والصعيد الطيب هو كل ما كان على وجه الأرض كان عليه تراب – أو غبار- أو لم يكن

]راجع بحث ذلك وتحقيقه في أضواء البيان صفحة 241 الجزء الأول[

والتيمم عام عند البرد الشديد وعدم الماء أو لأجل عذر مرض وغيره أو خوف ضيق وقت أو للحوق جماعة على مذهب بعض العلماء قال الشيخ العلامة العثيمين (وإِذا دار الأَمْر بين أن يُدرِك الجماعة في أوَّل الوقت بالتَّيمُّم، أو يتطهَّر بالماء آخِر الوقت وتفوته الجماعة؛ فيجب عليه تقديم الصَّلاة أول الوقت بالتَّيمُّم، لأنَّ الجماعة واجبة) [ الشرح الممتع على زاد المستقنع – المجلد الأول].

والتيمم ضربة واحدة فقط يمسح بها الوجه والكفان وحديث الضربتين لا يصح ((عن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻄﻮﻻ ﺑﻠﻔﻆ: ﺃﻥ ﺭﺟﻼً ﺃﺗﻰ ﻋﻤﺮ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻰ ﺃﺟﻨﺒﺖ ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺪ ﻣﺎء ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﺗﺼﻞ , ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺎﺭ: ﺃﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﺫ ﺃﻧﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﻓﻰ ﺳﺮﻳﺔ , ﻓﺄﺟﻨﺒﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﻧﺠﺪ ﻣﺎء , ﻓﺄﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻓﻠﻢ ﺗﺼﻞ , ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﺘﻤﻌﻜﺖ في اﻟﺘﺮاﺏ , ﻭﺻﻠﻴﺖ ﻓﻘﺎﻝ النبي ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ” ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻔﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻀﺮﺏ ﺑﻴﺪﻳﻚ اﻷﺭﺽ ﺛﻢ ﺗﻨﻔﺦ , ﺛﻢ ﺗﻤﺴﺢ ﺑﻬﻤﺎ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﻛﻔﻴﻚ “. ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: اﺗﻖ اﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﻋﻤﺎﺭ , ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﻟﻢ ﺃﺣﺪﺙ ﺑﻪ. ﺯاﺩ ﻣﺴﻠﻢ في ﺭﻭاﻳﺔ: ” ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻧﻮﻟﻴﻚ ﻣﺎ ﺗﻮﻟﻴﺖ وللبخاري من طريق أخرى عن عمار في هذه القصة فرفعه: “إنما كان يكفيك هكذا : ومسح وجهه وكفيه واحدة ” واعلم أنه قد روي هذا الحديث عن عمار بلفظ ضربتين ، كما وقع في بعض طرقه إلى المرفقين وكل ذلك معلول لا يصح )

[إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل صفحة 151 جزء1].

ويصلي بهذا التيمم الفرض والنفل وأكثر من صلاة مادام لم ينقضه لأنه كالوضوء تماماً في فعل الصلوات فرضاً ونفلاً عن هاشم بن حسان قال : قال صلى الله عليه وسلم( الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره فإن ذلك خير )[السلسة الصحيحة ص65 ج6].

6 – و يُشرع المسح على الخُفين والجوربين والعمامة والخمار للنساء في البرد وغيره عند لبس شيء من ذلك على طهارة ، يوماً وليلة للمقيم و ثلاثة أيام بلياليهن وتجوز الزيادة فوق الثلاثة الأيام للمسافر فقد قال عمر رضي الله عنه لعقبة رضي الله عنه لما مسح على خفيه من الجمعة إلى الجمعة وهو مسافر” أصبت السنة”[ السلسلة الصحيحة للألباني رقم الحديث 2622 الصفحة 239 الجزء السادس[ .

ومن أدلة المسح على الخفين والجوربين- الشُراب- و العُمامة:

1/عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، قال المغيرة فأهويت لأنزع خفيه فقال: (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما )) [ رواه البخاري و مسلم].

2/عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال : ( تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه فلما قضى حاجته قال أمعك ماء فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يده من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة لما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر فأومأ إليه فصلى بهم فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا )[مسلم وقد أخرجه الإمام مالك في الموطأ قريباً من هذا مع زيادة] .

 

 

 

 

من فتاوى العلماء في المسح على النعلين والخفين والجوربين-الشراب- والعُمامة :

أولاً : قال الشيخ المحدث الألباني – رحمه الله-:

يصح المسح على النعلين مطلقًا، كما يصح المسح على الخفين مطلقًا، كما يصح المسح على الجوربين مطلقًا، وكل من جاء بقيد فهذا يعود على البحث السابق: “لا يجوز تقييد ما أُطلِقَ، ولا إطلاق ما قُيِّدَ”، فحينما جاء عن الرسول عليه والسلام المسح على الخفين متواترًا، لم يجز أن يشترط أي شرط كأن يكون مثلاً غير مُخرَّم، وقد – يغالي- بعضهم بأن يقول مثلاً من جلد الحيوان الفلاني؛ كل هذا تصنع وتكلف و”أنا وأمتي براء من التكلف[فتاوى جدة الشريط الخامس ].

ثانياً: قال العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – :

المسح عليهما هو السُّنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمسح عليهما أفضل من خلعهما لغسل الرجل .ودليل ذلك : حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، قال المغيرة : فأهويت لأنزع خفيه فقال:(دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) .

[ رواه البخاري و مسلم] .

ومشروعية المسح على الخفين ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه سلم .

أما كتاب الله ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة6]فإن قوله تعالى : (وأَرْجُلَكُمْ ) فيها قراءتان سبعيتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إحداهما : (وأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب عطفاً على قوله : (وجُوهَكُمْ ) فتكون الرجلان مغسولتين.

والثانية : (وأَرْجُلَكُمْ ) بالجر عطفاً على : (بِرُؤُوسِكُمْ ) فتكون الرجلان ممسوحتين والذي بين أن الرجل ممسوحة أو مغسولة هي السنة ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت رجلاه مكشوفتين يغسلهما ، وإذا كانتا مستورتين بالخفاف يمسح عليهما .

وأما دلالة السنة على ذلك فالسنة متواترة في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ليس في قلبي من المسح شيء . فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

[موقع الشيخ ابن عثيمين].

وقال رحمه الله : المسح على العمامة مما جاءت به السُّنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيجوز المسح عليها ، فيمسح على العمامة كلها أو أكثرها ، ويسن أيضاً أن يمسح ما ظهر من الرأس كالناصية وجانب الرأس والأذنين. [موقع الشيخ ابن عثيمين].

ولا يشترط في الخف أن يكون من الجلد الطبيعي فحسب بل كل مادة طاهرة صنع منها يجوز المسح عليها،

وكذا لا يشترط في الجورب –الشراب- أن يكون سميكاً ثقيلاً فلو رقّ ولو شفّ عن شيء من البشرة فيجوز المسح عليه لعموم الدليل.

والتوقيت يبدأ بالمسح و لا ينتقض الوضوء بنزع الممسوح عليه مادام  لم ينقضه بناقض.

ويمسح بيده بما يُطلق عليه اسم المسح ولا يلزم الاستيعاب للممسوح كله فيمسح على ظاهر الخُف مسحة واحدة ولا دليل على مسح العقب وأعلاه مع ذلك بل هو تنطُّع.

  • مسألة جواز الصلاة إلى المدفأة والنار لدفع البرد:

سُئِل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:

وقعت مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية، ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام؟ أو مكروه يتنزه عنه، أو لا بأس به؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً بالجواب المحرر لكي يقرأ على المصلين ويزول الإشكال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار:

فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار. والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لها لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها. ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلَّت، وإن جعلوها عن أيمانهم، أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم، وهم الذي يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة. ثم إن هذه الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام وإنما تكون أمام المأمومين وهذا يخفف أمرها؛ لأن الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم، والله أعلم.

[مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثالث عشر – كتاب السترة في الصلاة].

هذا باختصار ما يتعلق بأحكام الشتاء والبرد وقد كان السلف يحبون فصله وقد ثبت تسميته ووصفه بالغنيمة الباردة يصام نهاره لقصره ويقام شيئاً من ليله لطوله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) ]صححه الألباني في السلسلة [.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبيه محمد.

بقلم الشيخ:

نزار بن هاشم العبَّاس

-حفظه الله-

خريج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة

والمشرف على موقع راية السلف بالسودان