الرد على من يجيز سفر المرأة بلا محرم
الرد على من يجيز سفر المرأة بلا محرم
  | فتاوى خاصة برمضان والحج   | 1151

الرد على من يجيز سفر المرأة بلا محرم

 

سُئِلَ فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله تعالى وبارك فيه ونفع بعلمه-:

هل المرأة تكون محرماً للمرأة في السفر؟

 

فأجاب -حفظه الله تعالى-:

«ألف امرأةٍ لا تكون محرماً لامرأةٍ واحدةٍ مطلقاً، وقد سافَرَت امرأةٌ في زمن النبي -صلَّى عليه وآله وسلَّم- إلى الحج بلا محرم وزوجُها جاء ليغزو مع النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأخبره بأنَّه أرسل زوجَتَه لتحجَّ فقال له -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “هل
معها من ذي محرم؟
” قال: لا! فقال له: “ارجع فحجَّ مع امرأتك” والحديث في البخاري، وفيه:

(1) وجوب المحرم للمرأة في السفر.

(2) وأنَّ سفر المحرم مع عِرْضِه خيرٌ من السفر للجهاد ذروة سنام الإسلام فكيف ببقية الأسفار؟! بل كيف ببقية أعمال الدنيا وشواغلها التي يتعذَّر بها غالب رجال اليوم في ترك سفرهم مع أعراضهم ولو خارج بلادهم؟!

(3) بدعيَّة ما يُسمَّى بالرفقة المأمونة للمرأة في سفرها ومخالفتها لهذا النص وغيره سواء كانت رفقة نساءٍ أو رجالٍ أو خلطاً بينهما، فإذا كانت هذه المرأة صحابيةً وسافرت في رفقة خير البشر بعد المرسلين وأتقاهم وأورعهم وأحرصهم على العِرْض والخير -رضي الله عنهم- ومع ذلك لم يعتبر -صلَّى الله عليه وسلَّم- هذه الرفقة الطيبة محرماً مطلقاً وكانوا لاشك عدداً كبيراً وأمَرَ زوجَها ليلحق بها ويترك الغزو معه؛ فكيف بغيرها بل دونها من أي رفقةٍ إلى قيام الساعة؟! ورسولُ الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- يقول: “لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعده شرٌّ منه حتى تلقوا ربكم” [البخاري]، وقال في شأن النساء وفتنتهنَّ وضعفهنَّ وإكرامهنَّ والوصاة بهنَّ ما قال، والحيُّ لا تؤمن عليه الفتنة، فكيف يجرؤ مسلمٌ عاقلٌ على هذه المخالفة والمخاطرة والمجازفة بعِرْضِه؟! ﴿إِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ [الحج: الآية (46)].

وعليه فإنَّ أمرَ الرفقة المأمونة هذه:

أ. لا دليل عليه في الشرع، بل أدلة الشرع على خلافها والعقل وشاهد الواقع والأحداث.

ب. أنَّ تسميتها بالمأمونة لا دليل عليه أيضاً؛ فإنَّ الأمن والأمان في موافقة الشرع.

ج. أنَّ نسبتها لمذهب المالكيَّة أو غيرهم لا يصحِّحها ويجعلها حكماً مسَلَّمَاً به تُعَطَّل به النصوص وتفتح به ذرائع الشر، بل الواجب تركها وردُّها.

د. قد أخرَجَ الإمام مالك في موطئه حديث: “لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر من غير ذي محرم” ولم يتعقَّبه بكلامٍ أو تقييدٍ فهو -رحمه الله- مع النص، وسد الذرائع مذهبُه.

فنسبة هذه الرفقة إليه أو إلى مذهبه تَقَوُّلٌ عليه، وبِذَا تعلم مثالاً على ما يُنْسَب للمذهب والدليلُ يردُّه وكذا إِمَامُه؛ عليه:

هـ. فإنَّ كل من يقول بالرفقة المأمونة لا دليل عنده وليس بمحقِّقٍ للعلم وأصوله ولا للمذهب، وإنما هو مقلِّدٌ محضٌ وجب عليه ألا يفتي ولا يُسْتَفْتَى.

(4) ودلَّ الحديث على قول العلماء إنَّ المحرم شرطٌ لحجِّ المرأة، وإِنْ عُدِمَ فلا حجَّ عليها، ولأنَّ ذلك داخلٌ في شرط الأمن والاستطاعة لهذه الشعيرة.

(5) وأنَّ مخالفة الشرع إذا وقَعَت بغير عِلْمِ صاحبها ثم عَلِمَ بها وجب عليه إدراكُ نفسه أو من تحت مسؤوليته وولايته لتصحيح وعلاج الخطأ ليوافق الفعلُ شرعَ الله، فمن باب أولى وأولى من عَلِمَ قَبْلَ مخالفته وجب عليه التزامُ الحق وتحكيم الشرع في أمر المحرم وغيره.

(6) أنَّ المحرم إذا اشتُرِطَ ووجب على المرأة في سفر الحج العبادة فمن باب أولى في بقية الأسفار، وللأسف يُفَرِّط الكثيرون في كل الأسفار ولو إلى بلاد الكفار والله المستعان.

(7) استجابة الصحابة لأمر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتوجيهه، وبِذَا وغيره نالوا فضلَ الله عليهم، وأما اليوم فإذا خُوطِبَ كثيرٌ من الناس في هذه المسألة وغيرها من شرع الله بأدلته أعرضوا وضربوا له أمثال الاعتراض والهوى.

قال الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-: “ولا يقف المسلمُ المتَّبعُ موقفَ أهل الأهواء فيقول: (قد اختلف العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان)!! ويذهب يتلاعب بعقول الناس؛ فإنَّ مثل هذا القول يجرِّئ الناس على ردِّ الحق وإسقاط أهله. وصاحبُ الحجَّة يجب الأخذ بقوله اتِّباعاً لشرع الله وحجَّته لا لشخص ذلك الرجل وسواد عينيه” [أئمة الجرح والتَّعديل هم حماة الدِّين (25)].

وقال أيضاً -حفظه الله ومدَّ عمره على طاعته-: “ومثل أصل (لا يلزمني) و(لا يقنعني) لرد الحق، وهو من أخبث أصولهم. فأعداء الرسل ما كانوا يلتزمون الحق الذي يأتي به الرسل، ولا يقتنعون به، وأهل الضلال من الروافض والصوفية والخوارج والأحزاب الضالة لا يلتزمون الحق الذي التزمه السلف وعلى رأسهم الصحابة واقتنعوا به” [مقال: مكيدة خطيرة ومكر كبار].

(9) وهو دليلٌ عظيمٌ على حرص النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحابته على الأعراض حفظاً وغيرةً ورعايةً في هذه الشعيرة فكيف بغيرها؟! وكم تشاهد في دنيانا ما يندى له الجبين من شدَّة تفريط كثيرٍ من الرجال في هذا الجانب الأعظم؛ آباء يزجون ببناتهم في نتن الاختلاط المحرَّم في الجامعات والأعمال ولو كانت خارج مدنهم بل حتى أوطانهم! وأزواج يُنْزِلُون أزواجهم النساء في الأسواق المختلطة وهم على متن مراكبهم في الانتظار!، وهذا الفعل المشين قد أخبر به النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كشرطٍ من أشراط الساعة رآه الناس اليوم رأي العين والمعايش؛ قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “سيكون في آخر أمتي رجالٌ يركبون على سروجٍ كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسياتٌ عاريات على رؤوسهنَّ كأسنمة البخت العجاف” الحديث [السلسلة الصحيحة].

وإنَّ مما يؤسف له أيضاً وجود بعض دعاة الجماعات الإسلامية يرى بل ويؤصل بجهلٍ جوازَ سفر المرأة بلا محرم لأجل الدعوة إلى الله زعموا أو للمعسكرات النسوية، فهؤلاء ومن يطيعهم كانوا من أسباب نشر هذه المخالفة باسم الدعوة الإسلامية والإسلام ودعوته -الحمد لله- براءٌ من هذا الهراء والهوى والجهل وأصحابه.

(10) أنَّ دين الإسلام يقوم على أحكامٍ شرعية أوامر ونواهي تشمل أحكامه التشريعية الخمسة من (وجوب وحرمة وكراهة وندب وإباحة) قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ[الأعراف: الآية (54)]، وقال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَم[آل عمران: الآية (19)]، ولا تستقيم حياة الإنسان إلا به فرداً كان أو أسرةً أو جماعةً أو دولةً، وبتحقيقه يُوَفِّق اللهُ عبادَه للحياة الطيبة ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون [النحل: الآية (97)]، وإِنْ أعرضوا عنه جهلاً أو هوى بعد علمٍ ومعارضةٍ فإنَّ الله توَعَّد فقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِن الخَاسِرِين[آل عمران: الآية(85)]، وقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى[طه: الآية (124)].

فاللهم اهدنا وسدِّدنا وعافنا».

انتهى جواب الشيخ -حفظه الله تعالى-

موقع راية السلف بالسودان

www.rsalafs.com