الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين مرفق الإفتاء ومرفق القضاء
الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين مرفق الإفتاء ومرفق القضاء
  | مسائل علمية   | 898

الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين

مرفق الإفتاء ومرفق القضاء

للعلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-

 

 

الإفتاء هو بيان الحكم الشرعي من غير الإلزام به ويكون عند السؤال عنه من فرد أو جماعة والقضاء هو بيان الحكم الشرعي مع الإلزام به ويكون بين الخصوم والناس بحاجة إلى المرفقين في عباداتهم ومعاملاتهم وخصوماتهم وقد تولى الله الإفتاء بنفسه سبحانه قال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ[النساء: الآية (127)]،وقال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ[النساء: الآية (172)]،وتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرفقين بنفسه وبنوابه، فكان يقضي بين الناس في الخصومات والمنازعات، وكان يفتي السائلين في المشكلات وكان خلفاءه من بعده يتولون ذلك ويستعينون فيه بنوابهم وكان علماء الأمة من بعدهم يقومون بالقضاء وبالإفتاء وقد دونت فتاواهم وأحكامهم ليستفيد منها من يأتي من بعدهم ودون ذلك في الموسوعات الفقهية التي صارت منهلا عذبا يرده الناس لحل مشكلاتهم، ومصدر ذلك كله كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الأمر وهو الاعتداد بهذا الفقه والافتخار به معلوما لدى الجميع حتى ظهرت في هذا العصر ناشئة تندد بهذا الفقه وتقلل من شأنه ومن ذلك ما كتبه الكاتب عبدالله النغيمشي في جريدة الحياة عدد الأحد 5 مايو 2013 بعنوان: فقهاء الراهن ناقلوا فقه أم فقهاء وما كتبه وغيره في هذا الموضوع وإنما يريد أصحاب هذا الانتقاد إفساح المجال لنظرياتهم التي منها مجارات العصر والسير مع الركب العالمي أينما توجه دون التقيد بأحكام الحلال والحرام، ثم تجاوز هذا الانتقاد إلى الفقه الإسلامي المبني على الكتاب والسنة والموروث عن سلف الأمة والعدول عن ذلك إلى فتح اجتهاد جديد يتماشى مع رغبات الناس وأهوائهم، والله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[المؤمنون: الآية (71)]،فإذا اجتمع الهوى مع عدم الأهلية الفقهية ضاعت الأمة وضلت الطريق، ونحن أمة إسلامية وبين أيدينا كتاب الله سبحانه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهج السلف الصالح فيجب علينا أن نسير على هذه الأصول قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: الآية (153)]،وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: الآية (7)]،وقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[آل عمران: الآية (31)]،وقال: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: الآية (54)]، فكيف نترك هذا المنهج الرباني ونسير مع الركب العالمي التائه الضال، إن أهل الكتاب لما تركوا إتباع رسلهم واتبعوا أهوائهم هلكوا وضاعوا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ[آل عمران: الآية (149)]،وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[الفتح: الآية (28)]،ويوم أن كان المسلمون سائرين على منهج الكتاب والسنة سادوا العالم وفتحوا البلاد ونشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي“، وكما أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن “افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة“، قيل من هي يا رسول الله، قال: “من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي“، وهذا كما في قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة: الآية (100)]، فلا نجاة لنا إلا باتباع الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة من اعتقاد وعمل وفقه، ففقه السلف الصالح ثروة بأيدينا نقتبس منها حل مشاكلنا فمن يريد إفلات أيدينا من هذا الموروث العظيم فإنه يريد إضلالنا وإهلاكنا ولا شبهة له في ذلك إلا قوله إن فقه السلف فقه قديم ولا بد من فقه جديد والرد على هذه الشبهة:

أن الشريعة عامة لكل الأجيال إلى أن تقوم الساعة، قال الإمام مالك رحمه الله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)، والمسلمون أمة واحدة قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً[الأنبياء: الآية (92)]، من أولها إلى آخرها.

من هو المؤهل للاجتهاد الفقهي كتأهل السلف مع ضعف المناهج في الدراسة وندرة المعلمين الأكفياء وانشغال الناس عن التفقه في الدين حتى ضعفت المدارك وقلت الحصيلة العلمية، ومن الذي يكون بمنزلة الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء الراسخين في هذا الوقت.

إذا وجد في الفقه الإسلامي بعض الاجتهادات التي فيها نظر فإنها ترد إلى الكتاب والسنة قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[النساء: الآية (59)]، فيؤخذ ما  قام عليه الدليل ويترك ما سواه.

لما وجد الضعف الفقهي في هذا الزمان أنشئت المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء لحل مشاكل النوازل العامة على ضوء البحوث العلمية المستقاة من الفقه الإسلامي الصحيح لعدم وجود الاجتهاد الفردي المؤهل.

الفتوى الفردية قد خصصت لها دور الفتوى في المجتمعات الإسلامية التي تنظر فيما يجد من إشكالات فردية أو اجتماعية قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: الآية (83)]، فالأمر منضبط والحمد لله وليس بالصورة التي ينشرها هؤلاء في بعض الصحف ليهولوا الأمر ويشككوا المسلمين في واقعهم وفقههم فعلى كتَّابنا أن يجعلوا كتاباتهم فيما ينفع المسلمين ويزيدهم ثقة بعلمائهم وفقههم وعلى صحفنا أن لا تنشر ما يسئ إلى هذا المجتمع المسلم، لأن الصحافة هي اللسان الناطق بثقافة الأمة وفق الله الجميع لما فيه الخير للإسلام والمسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

كتبه

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

28/6/1434هـ