معالم التوحيد في الحج للشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله
معالم التوحيد في الحج للشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله
  | المقالات   | 1190

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

معالم التوحيد في الحج

إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لاشريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أمَّا بعد:

فإنَّ خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

ثمَّ إنَّه قد طُلِبَ مني أن ألقي كلمةً في منسوبي التوعية الإسلامية في الحج بعنوان (معالم التوحيد في الحج)، وحيث أنَّ التوحيد أساس الدين، وقاعدته التي عليها يُبْنَى، ومنها ينطلق، وشرطه الذي به يصح، وبوجوده يقبل؛ وعند عدمه تُردُّ جميع الأعمال؛ قال تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)) وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) ومع كون المشرك لاتقبل منه حسنةٌ؛ فإنَّه أيضًا لايغفر له ذنبٌ؛ قال تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)) ومع ذلك فإنَّ المشرك شركًا أكبر محرَّمٌ عليه دخول الجنة، ومحتَّمٌ عليه دخول النار، والخلود فيها؛ قال تعالى عن نبيه عيسى عليه السلام أنَّه قال لقومه: ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) وهو موجبٌ لحبوط العمل، وعدم استفادة صاحبه منـه قال الله عز وجل: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ)) وقال تعالى: ((مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ))، وهذه كلها مساوئ تترتب على ضد التوحيد وهو الشرك الأكبر، وفي ذلك بيان لمزية التوحيد، وأنَّ انعدامه تترتب عليه كوارث فضيعـة وفي هذا بيانٌ لمنـزلة التوحيد من الدين ككل.
أمَّا بالنسبة للحج فإنَّه أُسِّسَ على التوحيد بيان ذلك من الآتي:
قال تعالى: ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)).

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنـان) في [ج5 / 288]:

“قال تعالى: ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)) أي هيأناه له، وأنزلناه إياه، وجعل قسمًا من ذريته من سكانه، وأمره الله ببنيانه، فبناه على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وبناه هو وابنه إسماعيل، وأمره أن لايشرك به شيئا، وأن يخلص لله أعمالـه، ويبنيـه على اسـم الله؛ ))وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)) أي من الشرك والمعاصي ومن الأنجاس والأدناس وأضافه الرحمن إلى نفسه لشرفه وفضله، ولتعظم محبته في القلوب، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه، لكونه بيت الرب سبحانه للطائفين به، والعاكفين عنده، المقيمين لعبادة من العبادات من: ذكرٍ، وقراءةٍ، وتعلم علمٍ وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القرب؛ ))وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) أي المصلين أي طهروه لهؤلاء الفضلاء؛ الذين همهم طاعة مولاهم، وخدمته، والتقرب إليه عند بيته، فهؤلاء لهم الحق، ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم، ويدخل في تطهيره تطهيره من الأصوات اللاغية، والمرتفعة التي تشوش على المتعبدين، بالصلاة والطواف، وقدَّم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت، ثمَّ الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد”اهـ.

والمهم أنَّ الله عز وجل ما خصَّ إبراهيم -عليه السلام- بهذه المزية إلاَّ لما فيه من محبة التوحيد وبغض الشرك؛ الذي حمله على التفاني في دعوة قومه، ثمَّ الحوار معهم، ثمَّ تكسير أصنامهم، ثمَّ قرارهم لتحريقه، ورميهم له في النار، فجعلها الله عليه بردًا، وسلامًا، ومع هذا كله فإنَّ الله عز وجل لمَّا بوأه مكان البيت أراه إياه، وأمره ببنائه؛ كان ذلك على شريطة نشر التوحيد ومحاربة الشرك: ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) ثمَّ أعاد الوصية مرةً أخرى في هذا السياق مشددًا على الأخذ بها مرةً أخرى، ومؤكدًا ذلك فقال في الآية (30) من هذا السياق: ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)) تصويرٌ عجيب لمن وقع في الشرك كأنَّه سقط من أعلى شاهق من قمة جبل؛ أو من فوق عمارةٍ طويلة من ناطحات السحاب؛ أو من فوق طائرة في ارتفاع شاهق؛ أو من السماء المعروفة ضد الأرض؛ أي أنَّ من وقع في الشرك بالله كأنمَّا سقط من ذلك المكان العالي، فتخطفه الطير؛ أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق؛ بعيد في الأعماق، وفي هذا التصوير تنفيرٌ عن الشرك، وتبشيعٌ لصورته، وإظهارٌ له في هذه الصورة البشعة؛ التي تشمئز منها النفوس، ولقد كرر الله عز وجل في هذا المقطع الأمر بالتوحيد، والتحذير من الشرك تارةً بالثناء على الموحدين، وذكر صفاتهم، وعواقبهم الحميدة، فقال: ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)).

ثمَّ إنَّ الحج كله تذكيرٌ، وتنويهٌ بتلك الأسرة الموحدة؛ أسرة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ إذ أمر الله عز وجل خليله أن يسكن من ذريته بعضًا، فكان البعض هو إسماعيل وأمه هاجر؛ أمره الله أن يسكنهما في ذلك المكان القفر، والوادي الموحش؛ الذي تحيط به الجبال من كل جانب، وليس به إنسٌ، ولا أنيس، ولا فيه زرعٌ، ولا ماء؛ قال البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه باب (رقم 9)، رقم الحديث (3364):

حَدَّثَنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ؛ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ؛ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ((رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)) حَتَّى بَلَغَ ((يَشْكُرُونَ)) وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ؛ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا -وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا- قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))”.
ومن معالم التوحيد في الحج رمي الجمار حيث كان سبب ما ذكره الله عز وجل في سورة الصافات في قصة إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- حيث قال سبحانه وتعالى حاكيًا عن إبراهيم أنَّه قـال: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)).

وخلاصــة هذه القصة: أنَّ إبراهيم الخليل رأى في المنام أنَّه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل، ولم يكن لإبراهيم يومئذٍ ابنًا سواه؛ لأنَّ ذلك كان قبل أن يبشَّر بإسحاق، وكان قد دعا ربه أن يمنحه ويهب له من الصالحين، فرزقه الله بإسماعيل من هاجر، وبعد ولادته أمره أن يذهب به إلى جبال فاران؛ وهي جبال كما سبق في القصة ليس بها ساكن، ثمَّ أمره الله عز وجل أن يذبحه، وقد جاء إلى ابنه إسماعيل يعرض عليه الأمر؛ ليرى مدى تجاوبه، فقال: ((يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)) فكان جوابه: ((يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)) وعند ذلك استعدَّا للتنفيذ، وتصوَّر أيها العاقل وقع الأمر على الأب، وعلى الابن لولا أنَّهما رسولان؛ لكان ما كان؛ لعظم الفاجعة، فصرعه في المكان الأول، وأراد التنفيذ فقال له الشيطان: أتذبح ابنك على رؤيا، فرماه بحجر، فساخ، وتحوَّل الأب بابنه إلى مكان آخر، وأراد التنفيذ، فناداه الشيطان مرةً أخرى؛ أتذبح ابنك على رؤيا، فرماه بحجرٍ فساخ ثمَّ انتقل مرةً أخرى، وعزم على التنفيذ؛ فيقال أنَّه أمرَّ السكِّين على حلقه فلم يقطع، فأتي بكبشٍ وقيل له: هذا فداء ابنك.

وتزعم اليهود أنَّ الذبيح هو إسحاق، وذلك باطلٌ إنَّما هو من اختلاق اليهود، وقد ردَّ عليهم بأمور:

أولًا: أنَّ الذي فدي بالذبحٍ مذكورٌ في هذا السياق بقوله: ((فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)) إلى أن قال: ((وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)) ثمَّ قال: ((وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ)) وفي هذا أعظم بيان، وأوضح دليلٍ على كذب من زعم أنَّ الذبيح هو إسحاق.

ومما ردَّ به على اليهود قوله في موضع: ((فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)) فكيف يبشر به، وبابنٍ له من بعده؛ وكلاهما نبي، ثمَّ يؤمر بذبحه؛ وهذا مستحيل.

ثالثـًا: أنَّ الذبح كان بمكة، وإسحاق بالشام؛ وإنَّما أمر بذبح الولد الذي بمكة؛ وهو إسماعيل الذي لايختلف اثنان أنَّه تركه هو وأمُّه بمكة؛ وهو صغير، وأخرج الله لهما زمزم.

 

والمهم أنَّ الحج كلُّه إحياءٌ لمآثر ذلك الرجل المؤمن الموحد، وإبراهيم الخليل عليه السلام وأهل بيته إسماعيل، وأمَّه عليهما السلام:
فالبيت بناه إبراهيم وابنه إسماعيل، فأمر الله الناس بالحج إليه، والتطوف به…

وزمزم بثقها الله لإسماعيل وأمَّه، وأمر بالشرب منها…

والصفا والمروة هما الجبلان اللذان ترددت إليهما هاجر؛ حتى جلاَّ الله كربتها بما بثقه الله لها ولابنها من المـاء فالأمر بالسعي…

ورمي الجمار تذكيرٌ بموقف إبراهيم عليه السلام حين عزم على ذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام…

فكل الحج تذكيرٌ بإبراهيم عليه السلام وأهل بيته، وتنويهٌ بهم، وتذكيرٌ بمآثرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
فمن طاف تذكَّر إبرهيم عليه السلام؛ الذي كسَّر أصنام قومه…

ومن صلَّى عند المقام، ونظر إلى الحجر؛ الذي جعله الله آيةً، فغاصت قدماه فيه…
وإذا سعى بين الصفا والمروة تذكَّر هاجر، وثباتها، وثقتها بربها…

وإذا شرب من زمزم تذكَّر إسماعيل عليه السلام الذي بثق له ماءها…
ومن معالم التوحيد في الحج التلبية التي يعقد بها الحاج والمعتمر نسكه، وتكون هي ذكْرُه الذي يكرُّره، ويتقرب إلى الله به؛ لبيك اللهمَّ لبيك؛ لبيك لاشريك لك لبيك؛ فهذه التلبية تتضمن الاستجابة لله عز وجل، والإنابة إليه، والمسارعة إلى أمره بالفعل، وإلى نهيه بالتـرك وإلى خبره بالتصديق.
ومعنى لبيك: أي ألبي دعوتك، وأستجيب لأمرك مرةً بعد مرة؛ فعلًا للمأمور، وتركًا للمحظور، وخضوعًا لقدرك المقدور، فلك الحمد على ذلك كله، فأنت المستحق للحمد على ما لك من الكمالات، وما تسديه من النِّعم، وتصرفه من النقم؛ لذلك فإنِّي ألبي دعوتك، وأستجيب لأمرك مرةً بعد مرة، وكرَّةً بعد كرة؛ توحيدًا لك، وكفرًا بالطواغيت والشركاء، فكما أنَّك ليس لك شريكٌ في الملك؛ فكذلك ليس لك شريكٌ في العبادة؛ وحيث أنَّ التلبية هي لبُّ التوحيد وخلاصته؛ لذلك فإنَّ الشيطان لمَّا أوقع عمرو بن لحي الذي كان ملِكًا على مكة وما حولها زمنًا طويلًا؛ حتى قيل أنَّه رأى العاشر من ولد ولده فوفد إلى ملوك الروم، فرآهم يعبدون الأصنام، فاستحسن عبادتها، وأخذ له أصناما، وكرَّ راجعًا فلمَّا قرب من مكة أراد أن يحرم بالعمرة، ولبَّى قائلًا: لبيك اللهمَّ لبيك؛ لبيك لاشريك لك لبيك، فتمثل له الشيطان في صورة بشر؛ وقال له: فيها زيادة؛ قال: وماهي؟ قال: إلاَّ شريكًا هو لك؛ فكأنَّه اشمئز منها، فقال: تملكه وما ملك، فأدخل بهذه الكلمة الأخيرة ما قبلها من الشرك؛ وهو قوله: إلاَّ شريكًا هو لك.
وهكذا الشيطان يموَّه على بني آدم، ويخدعهم بشيءٍ من الحق؛ ليدخل به الباطل؛ وحيث أنَّ كلمة (تملكه وما ملك)؛ كلمة حقٍّ، فالله يملك المخلوقين، وما ملكوا؛ لكن أراد الشيطان بها استثناء الشريك مع الله عز وجل، وبهذا أدخل هذا الرجل الشرك إلى بلاد العرب، وغيَّر دين إبراهيم؛ الذي كانوا عليه؛ لذلك فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديـث الكسـوف: “عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ؛ فَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لحي يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ” أي أمعاءه، والعياذ بالله.

وعلى هذا فيجب أن يحذر المسلم أن يلبي وهو واقعٌ في الشرك؛ فيكون قد هدم توحيده بذلك الشرك الذي وقع فيه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 

ــــــــــــــــــــ

[مقالٌ حرره الشيخ العلامة أحمد بن يحيى بن محمد شبير النَّجمي -رحمه الله تعالى- بتاريخ 22/ 11/ 1426 للهجرة النبوية، ونُشِرَ في موقع الدعوة السلفية بصامطة]