سؤالٌ في العذر بالجهل
سؤالٌ في العذر بالجهل
  | العذر بالجهل   | 2350

سؤالٌ في العذر بالجهل

الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي

-حفظه الله تعالى-

 

سُئِلَ -حفظه الله تعالى-:

حول العذر بالجهل؟

 

فأجاب -حفظه الله-:

هذه المسألة؛ مسألة العذر بالجهل أو عدم العذر يركض من ورائها أناس أهل فتنة! ويريدون تفريق السلفيين وضرب بعضهم ببعض! وأنا كنت في المدينة اتصل بي رياض السعيد وهو معروف وموجود في الرياض الآن قال لي: إن هنا في الطائف خمسين شاباً
كلهم يكفرون الألباني! لماذا؟ لأنه لا يكفِّر القبوريين ويعذرهم بالجهل!!

طيب, هؤلاء يكفرون ابن تيمية وابن القيم وكثير من السلف؛ لأنهم يعذرون بالجهل وعندهم أدلة منها: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: الآية (15)] ونصوص أخرى فيها الدلالة الواضحة, ومنها: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: الآية (115)]، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ[التوبة: الآية (115)]، ونصوص أخرى تدل على أنّ المسلم لا يكفر بشيء من الكفر وقع فيه, نقول: وقع في الكفر؛ هذا كفر وقع فيه عن جهل مثلاً فلا نكفره حتى نبين له الحجة ونقيم عليه الحجة فإذا عاند كفرناه.

وهذا القول عليه كثير من أئمة العلماء في نجد وبعضهم يتناقض كلامه مرة يشترط إقامة الحجة ومرة يقول: لا يعذر بالجهل! فيتعلق أناس بأقوال من لا يعذر بالجهل ويهمل النصوص الواضحة في اشتراط قيام الحجة وأنه لا يكفَّر المسلم الذي وقع في مكفِّر حتى تقام عليه الحجة ومنهم ما ذكرته لكم عن الإمام الشافعي -رحمه الله- والنصوص التي ذكرتها لكم.

كنت أعرف شيخاً فاضلاً لا يعذر بالجهل, ونحن والله ندرس في (صامطة) وزارنا هذا الشيخ ويحمل هذه الفكرة! لكنه ما كان يثير الفتن ولا يناقش ولا يجادل ولا يضلل من يعذر بالجهل, وعشنا نحن وإياه أصدقاء قرابة أربعين سنة! وقد مات من عهدٍ قريب.

وجلست مرة في أحد المجالس وواحد يقرر عدم العذر بالجهل! فذكرت له هذه الأدلة وذكرت له: أن علماء في نجد يعرف بعضهم بعضاً, بعضهم يعذر بالجهل وبعضهم لا يعذر وهم متآخون ليس هناك خلافات ولا خصومات ولا إشاعات ولا, ولا… فسكت ولم يجادل؛ لأنه لا يريد الفتن.

فنحن نعرف أن الخلاف هذا واقع في نجد بين بعض المشايخ وغيرهم لكن لا خصومة ولا تضليل ولا حرب ولا فتن, وإنما هذه طريقة الحدادية يا إخوان! الفئة الحدادية الماكرة الضالة أنشئت لإثارة الفتن بين أهل السنة وضرب بعضهم ببعض! وهم تكفيريون متسترون! وعندهم بلايا أخرى يمكن غير التكفير ويستخدمون أخبث أنواع التقية سترا على منهجهم الخبيث وأغراضهم الفاسدة!

وأنا رأيت شاباً تأثر بهذا المنهج! وكان يحمل كتاباً فيه أقوال منتقاة في عدم العذر بالجهل ويتنقل ما بين الرياض والطائف ومكة والمدينة وإلى آخره! كان عندنا ويدرس عندنا ثم ما شعرنا إلا وهو يحمل هذا الفكر بهذه الطريقة! فناقشته مراراً وبينت له منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهج السلف والأدلة وكذا وهو يجادل! قلت له: من إمامك؟ قال: فلان وفلان, بحثت فوجدت -والله- عندهم أقوال متضاربة مرة يعذر بالجهل ومرة لا يعذر بالجهل! قال لي: معي فلان, قلت له: فلان هذا كلامه -قد أعددته له- هذا فلان هنا يعذر بالجهل ويشترط إقامة الحجة! قال: لا, أنا مع ابن القيم! قلت له: ابن القيم من زمان رفضته أنت! ابن القيم يشترط إقامة الحجة فبُهت, لكنه مصرٌّ على ضلاله! فعاند وطرد من البلاد هذه ثم رجع! وفي مناقشاتي له قلت له: يعني قوم كفار في جزيرة من الجزر؛ في إحدى جزر بريطانيا أو جزر المحيط الهادي أو غيرها ما أتاهم أحد من السلفيين وجاءهم جماعة التبليغ وعلموهم وقالوا: هذا الإسلام؛ فيه خرافات, فيه بدع, فيه حلول فيه ضلالات وفيه وفيه.. قالوا لهم: هذا الإسلام, فقبلوه وتقربوا إلى الله ويعبدون الله على هذا الدين الذي يسمى الإسلام, تكفرهم أنت أو تبين لهم وتقيم عليهم الحجة؟ قال: هم كفار ولا يشترط إقامة الحجة! قلت له: اذهب إلى الجزائر فأنت أشد من هؤلاء الثوار الآن! أنت أشد تكفيراً منهم! اذهب عندهم ليس لك مجال في البلاد هذه.

مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في هذا قائم على الحجج والبراهين وهو مذهب السلف إن شاء الله، ومن تبنى واقتنع بغير هذا وسكت ما لنا شغل فيه, لكن يذهب يثير الفتن ويضلل ويكفر فلا, لا -والله- لا يسكت عنه.

وأنصح الشباب أن يتركوا هذه القضية, أنصحهم لأنها وسيلة من وسائل أهل الشر والفتن يبثونها بين المسلمين!

طيب, مرَّ عليكم دهور من عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى وقتنا هذا ليس هناك صراعات بينهم في القضية هذه أبداً؛ الذي اجتهد ورأى هذا المذهب سكت ومشى, قرره في كتابه ونشره فقط ومشى والذي يخالفه مشى؛ كلهم إخوة ليس بينهم خلافات ولا خصومات ولا أحد يضلل أحداً ولا يكفره, أما هؤلاء يكفرون!

انظروا! توصلوا به إلى تكفير أئمة الإسلام مما يدلك على خبث طواياهم وسوء مقاصدهم.

فأنا أنصح الشباب السلفي ألا يخوضوا في هذا الأمر بارك الله فيكم.

والمذهب الراجح اشتراط قيام الحجة, وإذا ما ترجَّح له فعليه أن يسكت ويحترم إخوانه الآخرين فلا يضللهم؛ لأنهم عندهم حق وعندهم كتاب الله وعندهم سنة رسول الله وعندهم منهج السلف, والذي يريد أن يكفر يكفر السلف! يكفر ابن تيمية وابن عبد الوهاب أيضاً! الإمام محمد بن عبد الوهاب قال: نحن لا نكفر الذين يطوفون حول القبور ويعبدونها حتى نقيم عليهم الحجة؛ لأنهم لم يجدوا من يبين لهم.

 

[المصدر: موقع الشيخ ربيع المدخلي]