لا يغتر بكل من أظهر نصرة الدين حتى يُعرف أنه على السنة للشيخ علي بن يحي الحدادي حفظه الله تعالى
لا يغتر بكل من أظهر نصرة الدين حتى يُعرف أنه على السنة للشيخ علي بن يحي الحدادي حفظه الله تعالى
  | المقالات   | 643

لا يغتر بكل من أظهر نصرة الدين حتى يُعرف أنه على السنة

للشيخ علي بن يحي الحدادي حفظه الله تعالى

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً يوم خيبر فنادى بالناس: (إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) رواه البخاري ومسلم
راوي الحديث:
أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن بن صخر وقيل غير ذلك مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو بن ثمان وسبعين سنة .
سبب ورود الحديث:
قال أبو هريرة رضي الله عنه قال “شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لرجل ممن معه يدّعي الإسلام (هذا من أهل النار) فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدّق اللهُ حديثَك. انتحر فلان فقتل نفسه فقال: قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ” رواه البخاري ومسلم.
التعليق:

على المسلم أن يكون على حذر فلا يغتر بكل من أظهر نصرة الدين إما برفع راية الجهاد أو التصدر للدعوة أو النهي عن المنكر أو الأعمال الخيرية أو غير ذلك مما يدور في فلك ما يسمى في عصرنا بـ (الأنشطة الإسلامية) فلا يسارع إلى تزكيته والركون إليه وقبول ما يأتي به وترغيب الناس في الجلوس إليه والأخذ عنه حتى يعرف أنه على السنة ، وذلك أن السني هو الذي استكمل أصول السنة كلها أما من كان عنده شيء منها فهذا لا يكفي وإلا فما من فرقة من الفرق الإسلامية الهالكة إلا وعندها نصيبٌ من الحق وافقت فيه السنة ما بين مستقل ومستكثر، ولهذا أكد علماء السلف على هذه القضية لأن أكثر البلاء إنما يدخل على أهل السنة  ـ ولا سيما عوامهم بل ومن غيرهم لكن ممن لا تمييز عنده ـ من هذا الباب قال البربهاري في شرح السنة (ولا يحل لرجل أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة فلا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها).
ومن الناس اليوم من يبادر إلى تزكية من لا يعرفه ويشهد له بالسنة لكونه سمعه يثني على ولاة الأمور ويشهد للآخر بالسنة لأنه انتقد جماعة التبليغ مثلاً وهكذا في سلسلة من الشهادات والتزكيات المبنية على جوانب محددة لا تدل على غيرها، فإذا كان لا بد من تزكيته فليزكه في الجانب الذي علمه قد أحسن فيه ولا يغر الناس به قبل أن يتحقق من أمره.
– أهل البدع يخفون أمرهم في أول الأمر لا سيما إذا وجد ما يخافونه على أنفسهم كأن يكون جمهور الناس على السنة أو يكون السلطان يقظاً مترصداً لأهل البدع ، ولا يزالون كذلك حتى تواتيهم الفرصة ثم ينفثون سموهم بالأساليب الموغلة في الخديعة والمكر قال البربهاري: “مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون”.
وفي التاريخ عظات وعبر ومن قرأ خبر فتنة المختار بن أبي عبيد في العراق أو خبر فتنة ابن تومرت في المغرب على سبيل المثال رأى أنواعاً من الحيل والمكر التي أتاها كل منهما إلى أن وصلا إلى ما وصلا إليه من إفساد عقائد الناس وقلب (أنظمة الحكم) والإفساد في الأرض وسفك الدماء.
ومن خفي مكر أهل البدع أنهم قد يموهون على بعض الناس بانتسابهم إلى عالم من علماء السنة ونسبة تلك البدعة إليه حتى تروج على الناس ويتقبلونها لمكانة ذلك العالم في نفوسهم وثقتهم فيه قال ابن بطة عن بعض حيل القدرية : “وربما قيل لبعضهم من إمامك فيما تنتحله من هذا المذهب الرجس النجس فيدّعي أن إمامه في ذلك الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله فيضيف إلى قبيح كفره وزندقته أن يرمي إماما من أئمة المسلمين وسيدا من ساداتهم وعالما من علمائهم بالكفر ويفتري عليه البهتان ويرميه بالإثم والعدوان ليحسّن بذلك بدعته عند من قد خصمه وأخزاه”.
وهذا يقع اليوم كثيراً فكم كُذب على علماء السنة من قِبَل أهل الأهواء بتقويلهم ما لم يقولوه مما يخدم بدعتهم أو بتحريف كلامهم وتنزيله على غير منازله وتحميله ما لا يحتمل.
– لقد نبه بعض أئمة السلف إلى بعض العلامات التي يكشف بها أهل الأهواء حتى لا ينطلي باطلهم على أهل السنة واقتصر على ثلاث علامات:
الأولى:
الغضب عند نقد الأهواء والفرق والجماعات المنحرفة وأهلها فإن هذا الغضب لشيء منها دليل على محبته للرأي الذي غضب لأجله لذا شق عليه أن ينتقد وأن يكشف زيفه ولو كان سلفياً نقياً لما غضب بنقد البدعة بل لفرح وسره ذلك لأنه لا يتعصب لباطل ولأنه يعلم أن هذا النقد ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله التي تُحمى بها حوزة الدين.
قال رجل لأبي بكر بن عياش: يا أبا بكر من السني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها. ومعنى ذلك أن الذي يغضب لها هو من أهلها أو على الأقل في قلبه دخن ومرض فالحذر منه لازم.
الثانية:
معرفة المرء بأصحابه وأخدانه وخلطائه وخاصته وفي الحديث (المرء على دين خليله) وقد نبه جمع من الأئمة على هذه الوسيلة النافعة في إزالة الالتباس عمن يلتبس حاله على كثير من الناس لا سيما من يلبس منهم لباس السنة ، فما فضحوا بشيء أسرع من هذه العلامة قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: “من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته”.
وقال عبد الله بن المبارك: “من خفيت علينا بدعته لم تخف علينا ألفته”. وقال الفضيل بن عياض : “من جلس مع صاحب بدعة فاحذره”.
ولما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس فسأل أي شيء مذهبه ؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة .قال: من بطانته ؟ قالوا: أهل القدر. قال: هو قدري.
الثالثة:
الوقيعة في علماء السنة. إذ هي من القواسم المشتركة بين أهل الأهواء، والطعن فيهم له صور كثيرة ولكن تتفاوت ظهوراً وخفاء وتصريحاً وتلميحاً كما أشار إلى جملة من صورها بعض من تكلم عن الغيبة من أهل العلم.
– لا يُنكر أن بعض أهل الأهواء قد ينصر به حق أو يزهق به باطل أو يكون أول أمره مستقيماً ثم يضل ولكن ذلك كله لا يسوّغ أن يخدع به الناس ما دام من أهل البدع بل من عرف أمره وأدرك خطره فليبين حاله نصحاً للأمة، ولقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من رجل قرأ القرآن حتى رئيت عليه بهجته وصار ردءاً للإسلام ثم تغير حاله بعد ذلك فخرج على جاره المسلم فكفره واستحل دمه.
وما أحسن ما قال الآجري محذراً أهل السنة لئلا يغتروا بحسن كلام المبتدع وطول عبادته ما دام على ضلالة يقول في سياق حديثه عن الخوارج:
“فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام ، عادلاً كان الإمام أم جائراً ، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه ، واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج” اهـ

المصدر : إحدى المواقع السلفية