العذر بالجهل وإقامة الحجة على الجاهل
العذر بالجهل وإقامة الحجة على الجاهل
  | التفريغات العلمية والفوائد والنكت, التفريغات العلمية والفوائد والنكت من أشرطة ومقالات فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله   | 1606

بسم الله الرحمن الرحيم

العذر بالجهل وإقامة الحجة على الجاهل

قال فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله وبارك فيه-:

«قال تعالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) كل أحد؛ والنكرة في سياق النهي والنفي تفيد العموم كما قال المصنف: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشركٌ كافر) يعني: من صرف شيئاً من هذه العبادات من جميع أنواعها القلبية واللفظية والعملية فإنه يكونُ مشركاً كافراً والعياذ بالله، قال: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله) لغير الله كل من هو سوى الله من معبودٍ باطلٍ من حجرٍ أو شجرٍ أو إنسانٍ أو نبٍّي مرسلٍ مكرم أو ملكٍ مقرَّبٍ فهو مشركٌ كافر، وهذا إطلاقٌ عامٌّ كما قال تعالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) وقال تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً))، فهذا لفظٌ عامٌّ وهذا تعميمٌ معروفٌ في نصوص القرآن والسنَّة وكلام العلماء؛ يُؤتى بالكلام بعمومه لأجل الترغيب والتخويف ولذلك لابد أن يُفرِّق طالب العلم المتعلِّم بين إطلاق اللفظ العام والتعميم، فيقال: من أنكر صفة الله فهو مشركٌ كافر، من أنكر أسماء الله فهو مشركٌ كافر، من دعا غير الله فهو مشركٌ كافر، كما قال العلماء: (الجهمية كفارٌ، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر) هذا إطلاقٌ عام والإطلاق العام لا يعني تحقيق الكفر على صاحبه الذي أُطْلِقَ عليه لفظ الكفر؛ هم كانوا يقولون الجهمية كفار ولا يكفِّرون إلا من قامت عليه الحجة، كذلك هنا دعاء غير الله شرك، وخوف العبادة من دون الله شرك، والذبح لغير الله شرك، والخشية غير الله مما يُخشى به الله شرك، فمن صرف هذه العبادات فهذا قد وقع في الشرك لكن ليس كل من فعل ذلك يكون مشركاً حتى تقام عليه الحجة وتُزال عنه الشبهة.

فإذاً: من صرف شيئاً من هذه العبادات لغير الله فهو مشرك كافر، وهذا تعميمٌ لكن لا يقال عن أحدٍ بعينه فَعَلَ ذلك مشرك كافر حتى تقام عليه الحجة وتنطبق عليه الشروط وتقوم عليه الضوابط ويكون خالياً من الموانع ويعلم ثم بعد ذلك يعاند ثم بعد ذلك يكون كافراً وذلك يحكم به حكام المسلمين من قضاتهم وولاتهم أو من يقيمه القاضي والأئمة من علماء الأمة الإسلامية الربانين، ولذلك قال شيخنا محمد بن أمان الجامي -رحمه الله تعالى- عن هذه اللفظة قال: (بعد أن تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبه) فالكلام ليس على إطلاقه ولا تحملنا يا إخواني محبة التوحيد وغيرتنا على هذا التوحيد -إن شاء الله- وغيرتنا على من وقع في خلافه من الشرك ومحبتنا لدعوتنا إلى التوحيد العظيم حق الله رب العالمين على أن نخالف الأدلة الشرعية والمنهج الإسلامي المعروف فنَصِف كل من وقع في هذه الشركيات بأنه مشركٌ كافر حلال الدم لا تؤكل ذبيحته ولا يُزار ولا يُصلَّى عليه، بل الأمر أمر عبادة وأمر دليل والـمُكفر الذي يُكفَّرُ هو من كَفَّره الشرع وكفَّرَه الدليل، وعُلِم بأدلة الشريعة واتفاق سلف الأمة وعلمائها بأن الفعل الكُفري لا يوسم ويوصف صاحبه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه؛ يُنْظَر هل هو متأول هل عنده شبهة هل حمله هوى هل حمله عناد وما سوى ذلك من الأعذار والموانع التي تمنعنا أن نقيم عليه لفظ الكفر وليس الأمر كما يقوله بعضهم ولا دليل عليه بل من وقع في الشرك يقال عنه مشرك ثم لا نرفع عنه لفظ الشرك حتى نقوم عليه الحجة هذا لم يقله أحد العلماء لأن الحجة من أهدافها الأساسية ينظر هل هذا الشخص يكون كافراً أم لا يكون كافراً؟! إذاً: لا يقال عن فلان إنه كافر أو مشرك إلا عن طريق العلماء وبعد إقامة الضوابط الشرعية والنظر في حاله هل هنالك ما يمنعه هل هناك ما يعذره أم لا فيُستتاب إن عُلِّمَ وعاند وجحد، وإن تاب وإلا أقام عليه سلطان المسلمين الحد الشرعي فإذاً يُفهم من ذلك قول المصنف -رحمه الله تعالى-: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشركٌ كافر) إذاً: متى يكون مشركاً كافراً؟ بعد إقامة الحجة، وهذا الأمر المتفق عليه بين علماء أهل السنة يأتي الكلام بالتفصيل فيما يأتي من المسائل بحول الله وتوفيقه».

[من الشريط التاسع من شرح الأصول الثلاثة]