الرد على من يحتج للزيادة في التراويح بصلاة الحرمين
الرد على من يحتج للزيادة في التراويح بصلاة الحرمين
  | ما يتعلَّق بصلاة التراويح   | 3005

الرد على من يحتج للزيادة في التراويح بصلاة الحرمين

 

سُئِلَ فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله تعالى وبارك فيه-:

سائل من مصر يسأل: شيخنا الفاضل -بارك الله فيكم ونفعنا بنصائحكم المباركة- هل صلاة التهجد سنة تركية، وهي بدعة كما يقول العلامة الألباني -رحمه الله-، وما حكم من يستدل بفعلها على صلاتها في الحرمين ومعظم مساجدنا في مصر؟ وكيف ننصحُ بعض الشباب السلفي الذي يصليها؟

 

فأجاب -حفظه الله تعالى-:

لا دليل على الزيادة على الإحدى عشرة ركعة الثابتة في حديث أمِّنا عائشة وابن عباس وأَمْرِ عمر الخليفة -رضي الله عنهم- لإماميه في صلاة الليل سواء كانت هذه الزيادة أول الليل أو وسطه أو آخره (التهجد) وخير الهدي هديه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهدي صحابته -رضي الله عنهم-.

وقد صلَّيتُ بالمسجد النبوي ورأيتُ مشايخَنا حفظ الله حيهم ورحم ميتهم -عملاً بالسُّنَّة- إذا فرغ الإمامُ من صلاة عشر ركعات من التراويح -ذات الثلاث والعشرين ركعة المخالفة- يفارقون الإمام ويخرجون من المسجد في جمعٍ كبيرٍ من طلاب العلم كالشيخ العلامة محمد أمان الجامي والشيخ العلامة حماد الأنصاري والشيخ العلامة ربيع المدخلي والشيخ العلامة صفي الرحمن المباركفوري، وأُخْبِرْتُ أنَّ العلامة الشيخ الألباني كان لا يصلِّي التراويح بالمدينة بالمسجد النبوي بل يصلِّي في مسجدٍ يكتفي بسنَّة الإحدى عشرة -رحمه الله- وربما فعل ذلك لأنَّه -رحمه الله- يرى أنَّ الإمام يُتَابَع على خطئه أي بصلاته الزائدة على السُّنَّة في المسجد النبوي ففارقه لغيره لهذا الرأي والاجتهاد، وأما أولئك الأكابر ربما رأوا كشيخنا ربيع ليث السُّنَّة أنَّ الإمام لا يُتَابَع على خطئه فَأْتَموا به عند صوابه وفارقوه وخالفوه عند خطئه بتلك الزيادة.

فتلك النصوص والآثار وفِعْلُ أكابر علماء العصر الذي ذكرتُ وقولُ العلامة الشيخ ابن باز -رحمه الله- في هذا الشأن: «الأَوْلَى الاكتفاءُ بالسُّنَّة» وكذا ما سطره العلامة الألباني ونَشَرَه صوتاً وكتابةً لكافٍ إن شاء الله ومُغْنٍ بالحجَّة والاتباع بالاكتفاء بالسُّنَّة.

وإذا بدَّع العلامةُ الألباني ذا التهجد المصنوع فهو كذلك لأنَّه إمامٌ سنَّةٍ وأنا أتبعه في ذلك وعليه إن شاء الله أموت.

وشباب مصر وغيرها في العالم تُعْرَضُ عليه الأدلة والحجج بكلام العلماء وهديهم ودحضهم لشبهة من خالفهم؛ فإن استجابوا فبها ونعمت والحمد لله وإلا فالحمد لله على كل حالٍ القائل: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاَغُ وَعَلَيْنَا الحِسَاب﴾ والعلماء السلفيون وطلابهم ورثة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- علماً وبلاغاً.

أما الاستدلال بفعل الزيادة بمسجدي الحرمين فليس بدليلٍ أصلاً؛ لأنَّ الفعل المجرَّد المعتبر المتبع في الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً هو فعل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكذا أفعال أصحابه وأقوالهم الصحيحة التي لا يُعْرَف لها مخالفٌ من دليلٍ أو صحابةٍ آخرين لبيان وشرح وإظهار أفعاله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كصلاة سهل الساعدي -رضي الله عنه- حاكياً صلاة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وفعله فيها، وكالركوع خارج الصف لإدراك الركعة، وكقولهم: (السُّنَّة كذا)، وكبيان ابن عمر -رضي الله عنهما- العملي لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا» بتركه لمجلس البيع ومفارقته له ببدنه ونحو ذلك مما لا أستحضره الآن، ويدخل في جنس هذا فعل عمر -رضي الله عنه- وأمره لإماميه بصلاة التراويح إحدى عشرة ركعة بالناس بالمسجد النبوي، وكذا سيكون الحال أيضاً بمسجد الحرم بمكة لأنه الإمام الأعظم وكذا غيره من مساجد خلافة دولته، فعمر -رضي الله عنه- الـمُحدَّث: وافَقَ وطبَّقَ بفهمٍ صحيحٍ فِعْلَه -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في سنَّة التراويح بهذا العدد في مسجده، فأيهما أَوْلَى بالاستدلال والاتباع والتقليد؟! فعل عمر -رضي الله عنه- في المسجد النبوي الموافق للدليل أم فعل غيره ممن هو دونه في ذات المسجد المخالف للدليل ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون﴾؟؟! وعلى ما تقرَّر إن شاء الله يُقَال لإسكات صوت وقطع لسان ذي الشبهة ما ثَبَتَ عن سلمان -رضي الله عنه-: «إنَّ الأرض المقدَّسة لا تقدِّس أحداً إنَّما يُقَدِّسُ المرءَ عملُه» أي عمله الموافق للحق سواء كان العامل والعمل بالمساجد الثلاثة المباركة أو في كل أرض الله تعالى.

فلنعرف الحق لنعرف أهله، ولنعرف أهله لنعمل بما هم عليه من الحق، وإلا فما ثَمَّ إلا تقليدٌ أعمى أو جهلٌ أو هوى متَّبَع ومكابرةٌ مرديةٌ، وكم في مَسْجِدَي الحرمين من أمور لا دليل عليها بل هو على خلافها كتطريب الأذان، والتبليغ أحياناً بلا ضرورة، والمآذن العالية، والقبة على قبره -صلَّى الله عليه وسلَّم-، والمنابر العالية، وترك السترة من كثيرين في الصلاة مع غير الإمام. وفَّقَ الله ولاةَ الأمر هنالك -حفظهم الله- لعلاج كل ذلك إظهاراً للحق ورفعاً لرايته؛ لأنهم ودولتهم محل نظر كل المسلمين وجهة قبلتهم ومنار القدوة والتأسي، وكيف لا والوحي ذاك مهبطه قرآناً وسنَّةً ومُنْطَلَقه علماً ودعوةً وفتحاً.

وقد أخبر -صلَّى الله عليه وسلَّم- قائلاً: «بدأ الدينُ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء» قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس (أناسٌ صالحون قليل في أناس سوءٍ كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم)» أو كما قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وكذا أخبر فقال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «إنَّ الإيمان ليأرز إلى المدينة (ما بين المسجدين) كما تأرز الحية إلى جحرها» أو كما قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأَوْلَى الأمة بهذه النصوص الطيبة المباركة معرفةً وعلماً وتطبيقاً وإظهاراً ودعوةً وتأييداً وحمايةً ونصراً من عرف للتوحيد والسُّنَّة عظمتهما وقدرهما وشرفهما، ومَنْ سِوَى هذه الدولة أولى بذلك؟! فقد أظْهَرَ ولاتُها -سدَّدهم الله- بفضل الله عليهم منذ تأسيسها وإقامة أركانها رايةَ التوحيد والسنة والعلم وأهله وتعظيم شعيرة الصلاة بإغلاق كل محلات التجارة بمجرَّد رفع ندائها في آفاق الجزيرة وإقامة الحدود مما لا يوجد له بحمد الله أي مثيلٍ في كل بلاد المسلمين، فَحَفِظَ اللهُ أرضَ الحرمين وولاتها من كل شرٍّ وقَمَعَ عدوَّها وعدوَّهم من خوارج وعلمانيين لبراليين وكل مخالفٍ بهوى للحق وأهله وسلك بفضله ورحمته ببقية دول المسلمين وحكامها ذات مسلك الخير والدين لتجتمع شعوبهم على التوحيد والعقيدة السلفية والسنة والعلم النافع وأهله الراسخين لتحصل أمة الإسلام وتنعم -بعد الله- على أيدي حكامها وأمرائها -فإنَّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما هو معلومٌ- من خير الدنيا والآخرة وسعادتهما والتمكين والسؤدد والعزة والنصرة المعنوية والمادية.

أسأل اللهَ الحي القيوم أن يهدينا وألا يضلَّنا وأن يُظْهِرَ لنا الحق جليَّاً حيث كنَّا، عليه نحيا ونموت ونلقى ربَّنا وهو راضٍ عنَّا غير خزايا ولا مخذولين مفتونين.. آمين.

 

انتهى جواب الشيخ -حفظه الله تعالى ونفع به-

موقع راية السلف بالسودان