كلمةٌ مهمَّةٌ عن الشهادات والدرجات العلميَّة
كلمةٌ مهمَّةٌ عن الشهادات والدرجات العلميَّة
  | التفريغات العلمية والفوائد والنكت, التفريغات العلمية والفوائد والنكت من أشرطة ومقالات فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله   | 783

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلمةٌ مهمَّةٌ عن الشهادات والدرجات العلميَّة

 

قال الشيخ نزار بن هاشم العبَّاس -حفظه الله تعالى وبارك فيه-:

«ما أقرَّه العلماء السَّلفيُّون وجوَّزوه من الشَّهادات الشَّرعيَّة من ليسانس أو بكلاريوس أو ماجستير ودكتوراة وأستاذ كرسي (بروفوسور) هذا ينتفع به من أخذه بحقٍّ (أي هذه الشَّهادات والدرجات) وكان على المنهج السَّلفيِّ سائراً على طريقة العلماء السَّلفيِّين، لكنَّها ليست بشرطٍ أو ضرورةٍ لتلقِّي العلوم الشَّرعيَّة ومعرفة الحقِّ فإنَّ الأصل في العلم الشَّرعيِّ التَّلقِّي عن أهل العلم الرَّاسخين وطلاَّبهم السَّائرين على المنهج السَّلفيِّ سواءً كان هذا التَّلقِّي في الجامعات أو المعاهد والمحافل السَّلفيَّة أو مساجد السَّلفيِّين الحادبين على هذا الدِّين النَّقي!!! ولا شك أنَّ بيوت الله تعالى أعظم وأبرك وأحوط لأنَّها الأصل في هذه الرِّسالة العلميَّة الدِّينيَّة العظيمة وكذا بيوت ودور العلماء السَّلفيِّين وطلاَّبهم ومجالسهم، وجاء النَّصُّ الشَّريف ببيان فضل ذلك كقولـه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “من غدا إلى مسجدٍ لا يريد إلا أن يتعلَّم خيراً أو يعلِّمه كان له كأجر حاجٍّ تامَّاً حجَّته” [صحيح التَّرغيب]. وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له في الجنَّة نزلاً كلَّما غدا أو راح” [رواه مسلم]. بل قوله تعالى في شأن بيوته يؤكِّد ذلك: ((في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه))؛ فإنَّ من أعظم ذكر الله تعالى هذا العلم السَّلفي النَّافع المأخوذ عن أهله المعتبَرين كما بيَّن علماؤنا أثابهم الله تعالى. وثبت أيضاً أنَّ نساء المؤمنين قُلْن لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ما نقدر عليك في مجلسك من الرِّجال فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يوماً نأتيك فيه، فقال: “موعدُكُنَّ بيت فلان” وأتاهنَّ في ذلك اليوم ولذلك الموعد [السِّلسة الصَّحيحة].

فتلقِّي العلم في المساجد ودور السلفيين فيه سلامةٌ في أزمان الفتن هذه وعند عدم القدرة على بلوغ الجامعات التي أُنْشئت على عقيدةٍ ومنهجٍ سلفيٍّ واضحٍ متميِّزٍ؛ لأنَّ كثيرين -هداهم الله- أهدافهم الشَّهادات الورقيَّة والإجازات العلميَّة لأجل الوظائف والدُّنيا بل قد يتسلَّح بهذه الشَّهادات أهل الأهواء والبدع لحرب الدَّعوة السَّلفيَّة وأهلها والتَّشويش والتَّلبيس على أبناء المسلمين بحجَّة أنَّهم من أهل الشَّهادات والدَّرجات العلميَّة -كما هو واقعٌ مُعَاشٌ اليـوم-. وفي هؤلاء وأمثالهم كان فضيلة شيخنا صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله تعالى- يقول -لا أدري من نظمه أو نقله- ذامَّاً طاعناً مستهجناً:

إِنَّ الذين تمستروا وتدكتروا         ليسُوا بكفءٍ للشُّيوخ الأول

بل مع كثرة هذه الجامعات والشَّهادات العلميَّة زاد الجهل وارتفعت راياته وكثُر الفساد وحورب العلم السلفي الحق وأهله. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا القائل: “إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُرفع العلم ويكثر الجهل، ويكثر الزِّنا ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النِّساء، حتى يكون لخمسين امرأةٍ القيم الواحد” [البخاري].

وقد كان من منهج السَّلف ومسالكهم أنَّهم لا يعطون ما منَّ الله به عليهم من العلم النَّافع والأمانة الشَّرعيَّة لكلِّ من هبَّ ودبَّ بل كانوا يتخيَّرون الطُّلاَّب الأخيار ويمتحنون من ارتابوا فيه حتى يضعوا العلم في محلِّه.

وقد مرَّ الأعمشُ على شعبةَ وهو يدرِّس ويعلِّم طلاَّباً -يبدو أنَّه لا يعرف ما هم عليه- فقال له: “ويحك يا شعبة، تُعَلِّق اللؤلؤ في أعناق الخنازير؟!” [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر].

فالعبرة بسلامة التَّلقِّي وصدق السَّير على المنهج السَّلفيِّ الحق وليست بالشَّهادات والدَّرجات وتزكيات العلماء والجماهير ((ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتَّقى))، ((يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)). والأمر كما قال سلمان الفارسيُّ -رضي الله عنه-: “إنَّ الأرض المقدَّسة لا تقدِّس أحداً وإِنَّما يقدِّس المرءَ عملُه” [أخرجه مالك في المؤطَّأ]».

[من (عون الحميد المجيد بكشف تلبيس السوداني المدعو وليد)/ ص11-12]