الإسلام دينٌ كاملٌ (والرد على المودودي في تقسيمه الإسلام إلى فقهٍ وتصوفٍ!)
الإسلام دينٌ كاملٌ (والرد على المودودي في تقسيمه الإسلام إلى فقهٍ وتصوفٍ!)
  | قسم المشرف   | 566

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام دينٌ كاملٌ

(والرد على المودودي في تقسيمه الإسلام إلى فقهٍ وتصوفٍ!)

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

   أما بعد؛ فالإسلام دينٌ كاملٌ، والفقه حقيقته: فَهْمُ وتطبيق الإسلام الذي جاء به محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وطَبَّقَه وأقامه أصحابُه -رضي الله عنهم- مِن بعده ودعوا الناس إليه.. هذا هو دين الله الإسلام الكامل الذي لا يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ قال تعالى: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)).

   فتقسيم الدين الإسلامي إلى فقهٍ يتعلق بظاهر الإنسان لا بقلبه ودواخله وإلى تصوفٍ يتعلق بقلب الإنسان تجاه أحكام الإسلام! هذا تقسيمٌ لا أصل له ولا دليل عليه مطلقاً في دين الله تعالى؛ لا في كتابه ولا في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة ولا يُعْرَف عن صحابته الكرام -رضي الله عنهم جميعاً- ولا عن أحدٍ من أئمة الإسلام المعتبرين كالأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم والدين والفقه الصحيح.

   بل هذا التقسيم والقول به قولٌ مُحْدَثٌ مردودٌ مخالِفٌ للإسلام وكل نصوصه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» [متفقٌ عليه]، فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين» [متفقٌ عليه] فهل بعد هذا الخير من خيرٍ؟؟! فالفقه وهو معرفة وفهم شرع الله في باب الاعتقاد والتوحيد، وأحكام فرائض الإسلام، ومبانيه ونوافله وأخلاقه وآدابه، والعمل بها، وما يُفْعَل وما لا يُفْعَل فيه، والدعوة إلى ذلك من قِبَلِ أهل العلم والبصيرة؛ هذا هو الفقه في الإسلام.

   وبذلك تكون عبادة الله تعالى التي خلق الله الجن والإنس لها ((وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) وطريق ذلك معرفة نصوص الشرع الدالة على ذلك في الكتاب والسنة؛ فكيف يجتريء المودودي على الإسلام ويجازف بمثل هذا التقسيم المُحْدَث العاري عن كل دليلٍ وبرهانٍ بأدنى تأمُّلٍ في نصوص أحكام شريعة الإسلام.

   وبالمثال يتضح لكل عاقلٍ منصفٍ فطنٍ مدى جهل هذا القول وقائله وعظيم مجازفته وخطره؛ فشعيرة الصلاة -باختصارٍ- قامت على الأدلة الشرعية فوجوبها ظاهرٌ بقوله تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ))، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» [متفقٌ عليه] إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة جداً في بيان حكم وجوب الصلاة، هذا من حيث الحكم الواجب ومن حيث إنها عبادةٌ لله مبناها الإخلاص ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في فعلها مع الإتقان والخشوع لله ومراقبة الله فيها والاطمئنان بها وفيها، كل ذلك يفيده لفظ (الإقامة)؛ قال الله تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة))، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه» [متفقٌ عليه]، ويقول أيضاً: «أرحنا بها يا بلال» [صحيح سنن أبي داوود]. فأحكام الإسلام وفقهه يعتني بظاهرالمسلم في أداء الصلاة من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ واعتدالٍ إلى سائر أقوالها وأفعالها، ويعتني بباطنه على حدٍّ سواءٍ بأمر الله له بإخلاص النية له فيها ومراقبته ومناجاته والأنس به سبحانه فيها وبها بأدنى تأمُّلٍ لِمَا ذَكَرْتُ من نصوصٍ قليلةٍ.

   هذا هو الإسلام.. وهذه هي عنايته بالمسلم ظاهراً وباطناً في مثال حُكْمِ الصلاة أنموذجاً، فمن فَهِمَ هذا وعَمِلَ به فقد فقه ظاهراً وباطنا والحمد لله.

فتقسيم المودودي هذا جَورٌ وتَعَدٍّ واجتراءٌ على الإسلام وأحكامه وقولٌ على الله بلا علمٍ وبصيرةٍ، بل هو اتهامٌ منه له بالنقصان وعدم التمام والكمال وتفريقٌ بين أحكامه المتكاملة المتآلفة؛ فَجَعْلُهُ التصوفَ مُكَمِّلاً ومعتنياً بباطن المسلم لهو من أعظم الظلم والمجازفة إذ كيف يكون ما لا أصل له في دين الله -أعني التصوف- مُكَمِّلاً لما جعله الله أصلاً من أصول وأركان دينه؟!! فإن هذا التصوف لا يعرفه الإسلام ولا نصوصه وأحكامه ولا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته -رضي الله عنهم- ولا علماء الملة والبصيرة، والحمد لله فدعوة المودودي للتصوف وادعاؤه تكميله وعنايته لباطن المسلم دعوى واهيةٌ ساقطةٌ بل هي دعوةٌ منه للبدع والإحداث في دين الله تعالى الذي وصفه الله بقوله ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينَاً)).

وفَّق الله المسلمين لما يرضيه عنَّا وعنهم وبَصَّرَنا بدينه.

كتبه

نزار بن هاشم العباس

خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية

والمشرف على موقع راية السلف بالسودان

21/ جمادى الأولى/ 1437هـ

www.rsalafs.com