الرد على الأخطاء المخالِفَة للإسلام والتحذير منها من صميم الإسلام
الرد على الأخطاء المخالِفَة للإسلام والتحذير منها من صميم الإسلام
  | قسم المشرف   | 954

بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على الأخطاء المخالِفَة للإسلام والتحذير منها من صميم الإسلام

قال فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله وبارك فيه ونفع بعلمه-:

وقبل الشروع في بيان خطأ وبطلان فتوى د.عبد الحي في إباحة المظاهرات والثورات وتجويزها أنبِّه بحول الله تعالى -للأهميَّة- على أمرين:

   الأمر الأوَّل:

   قال -صلى الله عليه وسلم-: “كل ابن آدم خطَّاءٌ وخير الخطَّائين التَّوَّابون” [صحيح الترغيب].

فلأجل تصحيح هذه الأخطاء وعلاجها وبيانها وتبديلها إلى الخير أقام الله عزَّ وجلَّ دينه وأرسل رسله من لدن نوح إلى خير خلقه محمد -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.

   وأعظم هذه الأخطاء والانحرافات والمخالفات على الإطلاق الشرك والكفر بالله ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان 13]. أيَّد الله الرسل بالوحي والمعجزات فحاربوه وحذَّروا منه ودعوا الناس إلى توحيد ربهم تعالى وتقدَّس ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) [النحل 36] وقال تعالى: ((الَر * كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)) [هود 1]. فَوفَّقهم الله ونَصَرَهم في تحقيق هذا الأصل العظيم وبقية الشرائع ودعوا إلى العدل ومكارم الأخلاق وسائر المروءات، ونهوا عن الظلم والفساد وسييء الأخلاق.

   وكان لنبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من ذلك الخيرِ الخيرُ كله أكمله وأجمله؛ فهو -صلى الله عليه وسلم- إمام المرسلين وقدوة المتَّقين وأسوة النَّاصحين!!

   ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الأخطاء المخالفة لشرعه دين الله يسكت أو يغض الطرف بل ينبِّه ويحذِّر ويعظ ويزجر ويغضب لله سبحانه. قالت أمُّنا عائشة -رضي الله عنها-: “ما انتقمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لنفْسِه إلا أن تُنتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنتَقِمَ للهِ بها” [البخاري].

   * فهاهو -صلى الله عليه وآله وسلم- حين قال بعض مسلمة الفتح -رضي الله عنهم- وهم في طريقهم لحرب الطائف: اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواط -شجرة في الجاهلية يعلقون عليها أسلحتهم للتبرك والتأييد وطلب النصر- يقول: “الله أكبر! إنَّها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجْعَلْ لَنَا إِلَهَاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) لتركبنَّ سنن من كان قبلكم” [صحيح الترمذي] فلم يسكت -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الخطإ العظيم بل كبَّر الله معظِّماً منزِّهاً صادعاً بالإِنكار مقرِّراً لتوحيد ربِّ العالمين!! ولم يؤخِّر -صلى الله عليه وآله وسلم- بيان الحقِّ لهم -رضي الله عنهم- مع أنَّهم حديثو عهدٍ بجاهليَّة؛ بل كان ذلك دافعاً لتصحيح هذا المفهوم والعرف المذموم لأنَّ الدين دينُ الله لا مجاملة ولا هوادة فيه!!!

   * ولما سمع -صلى الله عليه وآله وسلم- صاحبه الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول حالفاً: وابن الخطَّاب، أنكَرَ وخطَّأَ فقال: “ألا إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت” [رواه البخاري]، وعمر هو عمر -رضي الله عنه-، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لو كان بعدي نبيٌّ لكان عمر” [السلسلة الصحيحة]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إيهٍ يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجَّاً إلا سلك فجَّاً غير فجِّك” [رواه البخاري]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “وعمر في الجنة” [صحيح الجامع] إلى غير ذلك من فضائله -رضي الله عنه- الكثيرة، ومع ذلك ينبِّهه ويخطِّؤه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنَّ الله يأبى أن يُغَيَّر دينُه أو ينسب إليه ماليس منه!! أفلا يعقل الساكتون والمسكِّتون السَّاعون إلى تكميم أفواه الحق -ولن تكمَّم وتسكت بحول الله وحده- هذه النصوصَ النَّيِّرة؟! بل كيف هان عليهم دينُ الله تعالى يُشَوَّه ويُبْتَر ويُصادَم بأنواعٍ من الضلال والحزبيَّات والنَّعرات والمصالح الشَّخصيَّة والتَّلوُّثات والتَّقمُّصات ويُعَادى علماؤه السَّلفيُّون وطلابهم بأقبح المسالك وألوانٍ من المكر والتحايلات ((وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))، ((مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا))!!!

   * وقال -صلى الله عليه وسلم-: “أما واللهِ إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأُفْطِر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنَّتي فليس مني” [البخاري] رادَّاً ومخطِّئاً من خالف سنَّته وهديَه -صلى الله عليه وآله وسلم-.

   * وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه” [البخاري].

   * وخطَّأ وحارب العصبيَّة و(العنصريَّة) الجاهليَّة فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “أعيَّرته بأمِّه إنَّك امرؤٌ فيك جاهليَّة” [البخاري].

   * وكان -صلى الله عليه وسلم- يعدِّل ويُجَرِّح مصرِّحاً وملمِّحاً بحسب الحال والواقع ناصحاً مبيِّناً -في شأن النِّكاح والأبضاع- (فكيف بدين ربِّ العباد!!): “أمَّا (فلانٌ) فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمَّا (فلانٌ) فصعلوكٌ لا مال له، لكن انكحي أسامة” [مسلم]، وقال محذِّراً -صلى الله عليه وسلم- مبيِّناً للحال: “بئس أخو العشيرة” [رواه البخاري]!!

   * بل كان -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه ربُّه تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء 107] ينبِّه ويحذِّر -رحمةً ورأفةً لكمال دينه وشموليَّته- حتَّى من الخطأ تجاه الحيوان وظلمه والإساءة إليه!!! فقال -صلى الله عليه وسلَّم-: “إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” [صحيح الترمذي].

   وقال -صلى الله عليه وسلم-: “اركبوا هذ الدواب أو دعوها سالمةً ولا تتخذوها كراسي” [صحيح الجامع].

ونهى أن تُحَمَّل من الأثقال مالا تطيق!! وألاَّ توسم في وجهها!!… إلخ!! وما ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- إلا ليبقى الدين كما أُنْزِلَ عليه صافياً نقيَّاً؛ فإنَّه نعمةٌ كاملةٌ ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)) [المائدة 4].

   وهو مُرْسَلٌ من ربِّه الكبير المتعال لتأصيله وبيانه والحفاظ عليه، فقام بذلك أعظم قيام لا يجامل ولا يحابي “والذي نفس محمَّدٍ بيده لو أنَّ فاطمة بنت محمَّدٍ سرقت لقطعت يدها” [البخاري].

   بل هو نفسه -صلى الله عليه وسلم- سيِّد ولد آدم خليل الرحمن يُنبِّهه ربُّه ويُصَحِّحه ويأمره وينهاه؛ لأنَّ الإسلام الذي بُعِثَ به أمانة الله ووحيه يريده الله تعالى كما أرداه بالحق والميزان!!!

   قال تعالى: ((وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)) [الكهف 23].

   وقال تعالى: ((وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)) [الأحزاب 37].

   ويقول -عزَّ وجلَّ-: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى)) [عبس 1-10].

   وقال سبحانه مؤيِّداً ومُصَوِّباً قول عمر -رضي الله عنه- على قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في شأن أسرى بدر: ((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال 76].

   * ويتولَّى بنفسه جلَّ شأنه في علاه الرد عن ذاته ودينه: ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [المائدة 73]، ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) [المائدة 64]، ((لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)) [آل عمران 181].

   * ويوجِّه خير الخلق بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم في غير ما آية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [البقرة 104]، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)) [الحجرات 2]… إلخ.

   * وتكلَّم -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في الفرق المخالفة لدينه وحذَّر منها كلَّ تحذير كما في حديث الافتراق “كلها في النَّار إلا واحدة”، وكعظيم بيانه لخطر الخوارج وضلالهم مع دقَّة الوصف والتَّحذير مبالغةً في النُّصح منه -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- لهذه الأمَّة. كما أبدى -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأعاد في شأن المسيح الدَّجَّال وفتنته كأنَّك تراه وأنصاره -من اليهود والخوارج وغيرهم- وقبيح أفعاله رأي العين، نسأل الله العافية والسَّلامة. فصلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وجزاه ربُّه خير ما جزى نبيَّاً عن أمَّته، وجمعنا تحت لوائه وحشرنا في زمرته!!!

  

   هذه بعض ذكرى نخلص منها إلى؛

(1) أنَّ تصحيح الأخطاء ببيانها والرَّدِّ عليها وعلى أصحابها لعلاجها منهج الإسلام الذي سار عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى آخر لحظات حياته -صلى الله عليه وآله وسلم- “ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد” يحذِّر ما صنعوا [البخاري]، “إنَّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تيك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة” [البخاري] بل ما أُهْدِرَت له -صلى الله عليه وآله وسلم- ولأتباعه إلى يوم الدين دماءُ الكفار والمشركين -بالجهاد المشروع- إلاَّ لتصحيح خطإ طريق البشرية من الكفر إلى الإسلام “أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله…” الحديث [رواه البخاري]!!

   وعلى ذات المنهج سار السلف الصالح وأتباعهم إلى يومنا هذا وحتى مماتهم بحول الله تعالى ينصحون ويبيِّنون، يخطِّئون ويجرِّحون ويصوِّبون ويعدِّلون، لله نصرةً لدينه وسنة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- غايتهم ومبتغاهم -والله حسيبهم- ((حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه)) ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) تحقيقاً لوصيَّة النبي -صلى الله عليه وسلَّم- وإرشاده “لقد تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك” [صحيح الترغيب].

(2) الواجب على عامَّة المسلمين وعلى العاملين في ساحة الدعوة الإسلاميَّة -السلفيَّة الصحيحة وغيرها من دعوات الفرق والطوائف المنحرفة المخالفة لها- بخاصَّةٍ ألا يتحرَّجوا وتضيق صدورهم من بيان الأخطاء والمخالفات -صغرت(1) أم عظمت- للنصح لدين الله تعالى وتصحيح المسار والتوجيه إلى الخير بالحرص على صفاء الإسلام ونقائه وبقائه على الوجه الشرعي!!

   فالمخطيء يتراجع عن خطئه ولا يتمادى فيه، ويتوب التوبة الصادقة النصوح ويرجع الرجعة الشَّرعيَّة ويستغفر ربه الغفور الرحيم ويحمده ويشكره أن وفَّقه لذلك قبل مماته ووقوفه بين يديه.

   والناظر والمعايش لهذه الأخطاء -والتي قد يظنها (لجهله أو عدم إدراكه أو حسن ظنه واغتراره بأصحابها) من دين الله تعالى والله المستعان- يعي ويحذر ويتحصَّن بحول القويّ منها، ويسأل الله العافية والسلامة ويحمد الله على نعمة الحفظ والهداية!!

   هذا الخير والسداد يوفِّق الله له من شاء من عباده، ويمنُّ به على من اصطفاه ((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)) فاللهم اهدنا وسدِّدنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين!!! عليه؛

(3) فإنَّه لا يتحرَّج من بيان الأخطاء والمخالفات إلا جاهلٌ -علَّمه الله- أو مكابرٌ -يَعْلَم- أو صاحب هوى وبدعةٍ وغرضٍ يريد إضلال المسلمين وصرفهم عن الحق وأهله ((فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) فهؤلاء على المسلمين الصادقين أن يحذروا منهم كل الحذر ويفارقوهم كلَّ المفارقة؛ فإنَّهم يفرِّقون الصَّفَّ ويشقُّون الجماعة ويزرعون الشُّبهات لردِّ الحقِّ المبين؛ لِتَسْلَم لهم -ولو بالهوى والباطل والكذب والكيد (باسم الدَّعوة)- أحزابهم وكياناتهم ورؤوسهم الجهَّال المضلِّلة!!!

   وقد ابْتُلِيَت الدَّعوة إلى الله تعالى -هذه الراية العظيمة- في هذا الزَّمان للأسف الشديد بكمٍّ هائلٍ من الأدعياء والمتعالمين فصدق -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: “إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” [البخاري].

   فعلينا جميعاً أن نتَّقي الله تعالى في دينه وشرعه بحفظه ورعايته وصيانته مِنْ كلِّ خللٍ يشوبه أو يطمس شيئاً من معالمه!! فهذا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يُعَلِّمُ صاحبه البراء بن عازب -رضي الله عنه- دعاءً من أدعية النوم وأذكاره لما غيَّر لفظةً واحدةً وأبدَلَها بأخرى -وهي حقٌّ لا ريب فيه- نبَّهه وصوَّبه حيث قال -صلى الله عليه وآله وسلَّم- للبراء بن عازب -رضي الله عنه-: “إذا أتيتَ مضجعكَ فتوضأ وضوءَكَ للصلاةِ، ثم اضطَجِعْ على شِقِّكَ الأيمنِ، ثم قل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك, وفوضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا مَنْجى منك إلا إليك، اللهم آمنتُ بكتابِك الذي أنزلتَ وبنبيِّك الذي أرسلتَ. فإن مُتَّ من ليلتِك فأنت على الفطرةِ، واجعلْهُن آخِرَ ما تتكلمُ به”, قال البراء: فرددتُها على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت: اللهم آمنتُ بكتابِك الذي أنزلتَ، قلت: ورسولِك، قال: “لا، ونبيِّك الذي أرسلتَ” [البخاري].

   فبالله عليكم أيُّها المسلمون كيف لو رأى رسولنا -صلى الله عليه وآله وسلم- وسمع ما يقوله ويُؤَصِّله -مبدِّلين محرِّفين- بعض الدعاة والمتحدِّثين باسم الإسلام اليوم -هداهم الله- من الأصول الهدَّامة وتغيير الشَّرائع بتحليل الحرام وتحريم الحلال والدعوة إلى توحيد الأديان!!! وإسقاط أصل الجرح والتَّعديل والطعن في علماء الأمَّة السلفيين وطلابهم؟؟! فاللهم احفظنا وثبِّت قلوبنا على دينك!!!

(4) إنَّ الحفاظ والمحافظة على الإسلام وأصوله وكلِّ شرائعه وبيان ما يخالفه ويصادمه ويعارضه مقامٌ عظيمٌ ووظيفةٌ شريفةٌ قام بها علماء الإسلام علماء الجرح والتعديل وأتباعهم وطلابهم قديما وحديثاً -رحم الله ميتهم وحفظ ووفَّق حيهم- فالواجب على المسلمين أن يشكروا الله على تقييضه وتسخيره لهم لنصر دينه والدفاع عنه والنصح لعباده!! ثم يشكروهم ويثنوا عليهم بما هم أهله ويعرفوا لهم قدرهم؛ فوالله لا يحبُّهم إلا مسلم موفَّقٌ ولا يبغضهم ويطعن فيهم ويُنَفِّر عنهم إلا ضالٌّ مخذولٌ أو جاهلٌ محروم -هداه الله-. فهم القمم الأكابر المجاهدون حماة الملَّة -والحمد لله-.

   قال الذَّهبيُّ -رحمه الله تعالى-: “نحن لا ندَّعي العصمة في أئمَّة الجرح والتَّعديل لكن هم أكثر الناس صواباً وأندرهم خطأً وأشدُّهم إنصافاً وأبعدهم عن التَّحامل، وإذا اتَّفقوا(2) على تعديلٍ أو جرحٍ فتمسَّك به واعضض عليه بناجذيك ولا تتجاوزه فتندم ومن شذَّ منهم فلا عبرة به، فخلِّ عنك العناد واعط القوس باريها، فوالله لولا الحفَّاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر(3)” [السير (11/82)].

(5) على ضوء ما سبق من نصوصٍ يظهرُ وينكشفُ بطلان قول بعض أهل الجهل والأهواء والأغراض -إذا رأوا علماء السلفية وطلابهم يبيِّنون الأخطاء ويردُّون عليها سواء كانت هذه الأخطاء صدَرَت عن المخالفين للسلفية وأهلها أو ممن انتسَب إليها-: تسكتون عن الطوائف والفرق كالمتصوِّفة وغيرهم وتتكلَّمون في الدُّعاة!!!، وكذا قولهم: إنَّ هذا ليس من الإخلاص وينافيه!! أقول: هذا والحمد لله باطلٌ وكذبٌ ظاهرٌ وتحايلٌ لردِّ الحقِّ ودعوةٌ للسكوت عن الأخطاء والمخالفات؛ فإنَّ:

   أ. علماء الدعوة السلفية وطلابهم والحمد لله يردُّون على الأخطاء والفرق والطوائف والأحزاب كالخوارج القطبية السرورية وأهل التَّصوُّف وغيرهم، ومآثرهم المكتوبة والمسموعة والمعاشة تكذِّب هذه الفرية وتقطع دابر هذا الاحتيال!!

   ب. إذا كان -صلى الله عليه وسلم- كما مرَّ معنا يخطِّيء أصحابه وأتباعه وينبِّههم وهم على منهجه وطريقته مع فضلهم وعظيم قدرهم -رضي الله عنهم- ليحافظ على دين الله لهم ولأمَّته من كلِّ كدرٍ وعكرٍ لتكون “بيضاء نقيَّة” فكيف يُلام السَّلفيون -علماء وطلاب- ويُشَنَّع عليهم بهذه الافتراءات والتلبيسات إن ساروا والحمد لله على طريقة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-؟! إذا ردُّوا على المخالفين من أهل الأهواء والبدع وبيَّنوا عوارهم وانحرافهم؟!! ونصحوا من كان على منهجهم السلفي وانتسب إليه فبيَّنوا له خطأه وحذَّروه منه نصحاً لله ودينه؟! أيُشْكَرُوا أم يُلاموا ويُطْعَنُوا؟!!

   ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))! ورحم الله الإمام مالكاً القائل: “ما منكم من أحدٍ إلا رادٌّ ومردودٌ عليه إلا صاحب هذا القبر -صلى الله عليه وسلم-“. وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشِدَّة تمسُّكه بالسُّنَّة ونهيه عن البدعة يتكلَّم في جماعةٍ من الأخيار إذا صدَرَ منهم ما يخالف السُّنَّة، وكلامه ذلك محمولٌ على النَّصيحة للدين [مناقب الإمام أحمد].

   ج. إنَّ شأن الإخلاص والنِّيَّات أقوالٌ وأعمالٌ قلبيَّة غيبيَّة لا يطَّلع عليها إلا ربُّ العالمين ((قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) الطَّعن والغمز فيها وبها تخرُّصٌ ورميٌ بالغيب واتِّهامٌ جائرٌ عارٍ عن البرهان ومكرٌ بالمسلمين وشبابهم لصرفهم عن الحق والحقائق، وهذه عادةٌ معلومةٌ عن أهل الأهواء والزَّيغ وهذا والحمد لله تشبُّثٌ بما لا يجدي، بل يحيق بأهله كشفاً وتعرياً بسوء حالهم ومقاصدهم، وكذا قولهم: كلام أقران وأمور شخصيَّة… إلخ. والأمر كما قال تعالى: ((أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)) [الشورى 53]. وما كان لله يبقى!! والله الموعد!!

   فإذا استجاب المسلمون للحقِّ -وإن كان مرَّاً- وانقادوا له طلباً لمرضاة الله تعالى -حفاظاً على دينه- وابتغاء ثوابه وخوف عقابه؛ حصل بحول الله الخير وعمَّ ربوع بلاد المسلمين، وقويت الشوكة، ونزل النَّصر، وضعف العدو والمخالف، وتوحَّد الصَّفُّ واجتمعت الكلمة على صراط الله المستقيم ((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) [المؤمنون 52]، ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) [الأعراف 97]، ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) [الحج 40].

هذا هو الموقف المحمود والمطلوب شرعاً؛ أن نحقِّق قول الله تعالى: ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر 3]!! أمَّا أهل المواقف الهشَّة أو المصطنعة والمتلوِّنة -الاستراتيجيَّة- وأهل الإصرار على الأخطاء والمخالفات وأصحاب التَّخذيل والتَّثبيط عليهم أن يحذروا كل الحذر؛ فإنَّ الله تعالى ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) [غافر 19].

   ولنتذكَّر جميعاً قول الله تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ))، وقوله سبحانه: ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “من سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ” [صحيح مسلم].

   وعلينا أن نسعى -مستعينين بالله وحده- في إنقاذ ما يمكن إنقاذه -بحول الله تعالى- من الأمة وشبابها خاصَّة من الضلال ومحاضن الفرق والأحزاب المنحرفة ببيان الحقِّ وأصوله وربطهم بالعلماء السلفيين الربَّانيِّين وطلابهم، وتحذيرهم من الأخطاء والمخالفات التي شوَّهت جمال الإسلام وصورته ومزَّقت الشَّمل، وَنَسَبَهَا -بالجهل والدَّعاوى والهوى- إلى الإسلام والدعوة إلى الله من نسبها؛ فإنَّ السكوت عن ذلك من إضاعة الأمانة بل هو حقيقة الخيانة في حقِّ من يعلم ويعرف ويقدر، قال الله تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) وعلى الناطق بالحق والمصحِّح والمخطِّيء والمعدِّل والمجرِّح بعلمٍ ودرايةٍ -بتوفيق الله- أن يضع نصب عينيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: “بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء” [صحيح مسلم] فكم فيه بفضل الله وحمده وقوته من سلوى وتسليةٍ وعلمٍ وخيرٍ ((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)).

   الأمر الثَّاني:

   كثيرٌ من الناس -إلا من رحم ربي وعصم- بأصنافهم: الجاهل والمغرَّر به وصاحب الهوى والبدع، إذا رأى أهل الحق السلفيين من العلماء وطلابهم يردُّون على المخالف للحقِّ مع بيان مخالفاته والمآخذ عليه من أقواله وأفعاله وتصرُّفاته التي يبثُّها سموماً في هذه الأمة المكلومة -بصنيع أهل الأهواء والبدع- وقد أقاموا ولله الحمد والفضل ردَّهم على البرهان والأصول الشرعيَّة لا يريدون إلا وجه الله تعالى وحفظ دينه وصيانة الأمَّة من الضلال -نحسبهم وكل منصفٍ والله حسيبهم ولا نزكِّي على الله أحداً- لا يشكرونهم على فعلهم هذا وجهادهم -وإنْ كان لا يضرُّهم عدم الشكر والثناء ولا يثنيهم عن شأنهم إن شاء الله- كأدبٍ شرعيٍّ نُدِبْنَا بالتحلِّي به لصُنَّاع المعروف -بعد شكر الله تعالى- كما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-: “لا يشكر الله من لا يشكر الناس” [صحيح الترغيب]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافِئوه فادعوا له حتى تروا أنَّكم قد كافأْتُموه” [صحيح الترغيب]، وفي روايةٍ: “من صُنِع إليه معروفٌ فقال لفاعلِه: جزاك اللهُ خيراً، فقد أبلغ في الثَّناءِ” [صحيح الترغيب] -بما يناسبه من الثناء شكراً لله- بياناً منه -صلى الله عليه وسلم- وإرشاداً لمكارم الأخلاق ومحاسنها الواجبة والمندوبة بين المسلمين ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)). ولا معروف ولا خير -والله- أعظم من بيان الحق وكشف ما يخالفه من أنواع الباطل والضلال، هذا يدركه -لا شكَّ- أهل الديانة والعقل والعدل والحمد لله. أما أولئك بدل أن يشكروا يجحدون، ويصرُّون على ماهم عليه من المخالفات ويكابرون، وعن أهل الأهواء والبدع والأخطاء يدافعون بل يعارضون أهل الحق السلفيين ويهاجمونهم بأوهى الاعتراضات والشبهات والتشكيكات بكلماتٍ بعض ظاهرها -لمن لا يعلم أو لُبِّسَ عليه- الحقُّ، لكنهم ما أرادوا بها إلا الباطل والدفاع عن أهله وصرف الأمة وشبابها عن الحق وأهله!! كقولهم -ملبِّسين- هاذين: هل نصحتم؟ هل تثبَّتُّم قبل أن تردُّوا وتكتبوا وتبيِّنوا وتقولوا؟!!

   وكثيرون يعلمون كل العلم –أي من أهل الأهواء والزيغ والأغراض- ويقرُّون بأنَّ تلك الأقوال المردود عليها أخطاء ومخالفات للشرع ظاهرةٌ، فلأصحاب هذا الموقف المخذَّل المشين أقول -عسى أن يهتدوا ويرتدعوا ويكفُّوا-: والله لقد سجَّلتم على أنفسكم بهذا الصنيع والشبهة المتهافتة والقالة المهترية أموراً وأصولاً مخجِلَةً مُردِيَة شعرتم أو لم تشعروا هذه بعضها؛

(1) أنه يُخشى عليكم بهذا الصنيع من الغلوِّ الـمُهلِك فيمن تناصرونهم وتدافعون عنهم بلا وجه حقٍّ؛ حيث غضبتم لأجلهم وأخذتكم الحميَّة لهم بالباطل، ولم تغضبوا لله ودينه وحاملي رايته!! ((مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا))!! ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ))!! وهم قد عُلم فسادهم وإفسادهم في الأرض والخلق!! وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- محذِّراً من الغلوِّ وأهله مبيِّناً شرَّ مآله: “إياكم والغلو في الدين فإنَّما هلَكَ من كان قبلكم بالغلو في الدين” [صحيح ابن ماجه].

(2) عدم غيرتكم لله ودينه وكفى بذلك عاراً وشناراً.            

(3) عدم احترامكم وتقديسكم لهذا الدين العظيم بدفاعكم بلا برهان عن الأخطاء وأصحابها! وهذا تقدُّمٌ وتجرُّؤٌ بين يدي الله تعالى ودينه!!

(4) جهلكم بمراتب الدين وأصوله؛ فإنَّ النُّصح لله تعالى ودينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، والذَّب عنه كأصلٍ والحميَّة له بالنصرة والدفع مقدَّمٌ على كلِّ مخطئة البشر وذواتهم.

(5) جهلكم أو تجاهلكم -للتضليل والتلبيس- بما أجمع عليه علماءُ الأمة وسلفُها ومتأخِّروها أنَّ المجاهر المعلن بالمخالفات الشرعيَّة والأخطاء من بدع وأهواء -فضلاً عن الداعي والمؤصِّل لها بالجهل والهوى قولاً وعملاً- يُرَدُّ عليه وتحلُّ غيبته نصحاً لله ودينه وهذا لا يعني -أي الرد والبيان- تضليلَه وتبديعَه(4)، إلا إذا أصرَّ وعاند بعد الحجة وبيانها فإنَّه حينها يُبَدَّعُ ويُضَلَّلُ ولا كرامة كقاعدةٍ وأصلٍ معروفٍ معمول به عند السلفيين قديماً وحديثاً تعظيماً لله ودينه وصيانةً له وللمسلمين. وهذا موقفٌ شرعيٌّ يُبْتَغى به وجه الله تعالى وليس بنـزوةٍ ولا مزاج وإنَّما هو محضُ الدفاع عن الدين.

   فكيف الحال والعمل -اليوم- مع مخالفٍ متحزِّبٍ ينضوي بما يُظهر ويُعلن تحت رايات المخالفة والمخالفين عُلِم مخرجه ومدخله يؤصِّل ويُلبِّس حمَلَه الهوى أو الغرض، أو …إلخ يفسد البلاد والعباد باسم الإسلام والدعوة إليه؟!!

((إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) [الحج 48]!!

(6) طعنكم المخزي والمشين -وكفى بذلك ضلالاً- في أهل الحق الرادِّين بالحق على المخالفين للحق وأهله بما لا يليق بأدنى الناس فضلاً عن علماء ثقات ناصحين أجلاَّء كقولكم -أصلحكم الله- فيهم: إنَّهم ليسوا بنَصَحَةٍ وإنما همهم مجرد الطعن والإسقاط والأعراض… إلخ من أنواع الافتراء والظلم ((وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) والمنصف يرى أنكم أحقُّ وأولى بذاك الوصف!!

   ولا يخفى على كلِّ مسلمٍ غيور ما في ذلك الطعن من سوء الظن بهم والإساءة إليهم وحمل الناس ودعوتهم إلى ذلك المسلك الخبيث وما يتولَّد منه شراً وفساداً من إبعاد الأمة عن علمائها وأولي أمرها الصادقين وتشويه الإسلام وصورته ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))!! فصدق -صلى الله عليه وآله وسلم- حين قال: “إيَّاكم والظن فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث” [رواه البخاري]!!!

(7) جهلكم -مع تعالمكم وادِّعاءكم- بالأصول التي أقام الله عليها دينه الإسلام المتين كـ(المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة) و(الإبقاء على المصالح وتكثيرها ورد المفاسد وتقليلها) و(دفع المفاسد ودرءها مقدَّمٌ على جلب المصالح وتحصيلها) فمصلحة الدين والأمَّة مقدَّمةٌ أصلاً وعموماً على مصلحة المخالف وحزبه والمدافعين عنه بالباطل فتُهدَرُ ولا تعتبر لأنه تجرَّأ وأعلن مخالفته وابتُلِيَت بها الأمة وهو إذا أراد الحق والصواب وتجرَّد عن الهوى والعصبيَّة والحزبيَّة كفردٍ من أفراد الأمة يدخل في ذلك الإصلاح العام بالرد والبيان فينتفع ويُقلع ويتوب ويرجع وإلا!! فإنَّه يستحقُّ حينها الردع والزَّجر لمصلحة الأمة ومصلحته ((فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))!! لكن الهوى عمى!!

(8) إقامتكم -بجلهكم وهواكم- أصولاً وقواعد باطلة هدامة يبرؤ الإسلام وأهله منها -علماء وطلاب وعوام فُطناء- حيث قلتم وبئس ما قلتم(5): إنه لا يتكلم أهل العلم بالحق مبيِّنين محذِّرين من الأخطاء والمخالفين إلا إذا نصحوهم أولاً، وجعلتم -بعميق جهلكم- ذلك شرطاً ولازماً!! فجازفتم وخالفتم بجهلٍ أو علمٍ بلا حياء: النص وما عليه السلف الصالح والأصول المعتَبَرة المرعية من الرد على المخالِف والمخطيء بإطلاقٍ بلا هذا الاشتراط والقيد الفاسد!! فجازفتم مرَّةً أخرى مخالفين كل العلماء السلفيين والمسلمين العقلاء.

::::::::::::::::::::::

يتعذَّر إكمال القراءة من المتصفِّح، يمكنك متابعة القراءة بتحميل الملف

(اضغط هنا)


(1) قال الإمام البربهاري -رحمه الله-: “واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإنَّ صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، كذلك كل بدعة أُحْدِثَت في هذه الأمة، كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت ديناً يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام” [شرح السنة].

(2) وإذا اختلفوا فبالرجوع بعد الله إلى قواعد هذا الفن تظهر الحقائق ويُعْرَف الصواب الراجح، كـ: الجرح يقدَّم على التعديل أصالةً، وعند التعارض يفصَّل، والناقد الخبير مقدَّمٌ على غيره، وأهل البلاد من أهل الدراية والأمانة أدرى بمن عايشوه، والقرين أدرى بقرينه إلا إذا دخل الهوى!! والعياذ بالله!!

(3) وهذا الكلام العظيم من الإمام الذهبي -رحمه الله- يفيد أنَّ قواعد الجرح والتَّعديل ليست منحصرةً فحَسْب في الرواية بل تجري بعمومها على كلِّ من تكلَّم في العلم الشرعي والدعوة إلى الله؛ كما بيَّن -رحمه الله تعالى- ذلك بقوله: “لخطبت الزنادقة على المنابر”!!!