| المقالات, مقالات مختارة   | 800

بسم الله الرحمن الرحيم

تعقيبٌ على تأصيل جهلٍ جديدٍ

من جهالات المدعو مزمل فقيري

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فلا يزال المدعو مزمل فقيري يخرج بين الفينة والأخرى بما يثبت جهله وتعالمه المعتاد وتأصيلاته الفاسدة، وقد وقفنا على مقطعٍ صوتيٍّ يثبت فيه على نفسه جهلَه وتعالمه، وهاكم نصَّ كلامه من مصدره بلهجته العامية السوقية.

قال مزمل فقيري: «ما دعوة الله، الله حارسها، الله حارسها.. لكن إنت ده الله ما بيحرسك إلا تشتغل في دعوته. الله ما بيدخلك الجنة إلا تكون داعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل الأمة قال: (بلغوا عني ولو آية) مافي عذر تقول لي علمي بسيط!!».

فنقول -وبالله التوفيق-:

 

(1) قد ذكر أهل العلم أن القيام بالدعوة إلى الله جل وعلا من فروض الكفايات؛ لقول الله جل وعلا: ((ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))؛

  • قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره: «يعني بذلك جل ثناؤه: ولتكن منكم أيها المؤمنون أمة جماعة يدعون الناس إلى الخير يعني إلى الإسلام وشرائعه…».
  • وسُئِلَ الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:

هل الدعوة واجبة على كل مسلم أم على جماعة من المتخصصين في أمور الدين وأحكام الشريعة؟ فأجاب:«الدعوة فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي في أي بلد أو في أي قرية أو في أي قبيلة سقطت عن الباقين، وصارت في حقهم سنةً بشرط أن يكون عندهم علمٌ وعندهم بصيرة وأهلية للدعوة…» [المجموع8/239].

وقال -رحمه الله- في بيان معنى فرض الكفاية: «وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطرٍ وكل إقليمٍ يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنةً مؤكدةً، وعملاً صالحاً جليلاً. وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاماً، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد طائفةٌ منتصبةٌ تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة» [رسالة: الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة].

  • قال الشيخ أ.د.عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله- معلِّقاً: «لا يفهم مِن قول الشيخ (وصار الواجب على الجميع…) أن يدعو إلى الله جل وعلا من يجهل الدعوة إلى الله، إنما مراده -رحمه الله- أن يقوم بالدعوة إلى الله من كان أهلاً للدعوة إلى الله ولو عنده الشيء اليسير الذي يعرِّف به الناس دين الله».

 

(2) الاستدلال بحديث «بلِّغوا عني ولو آية» على تعيُّن الدعوة على كل فردٍ؛ لا يعرف إلا عند تلك الجماعة المنحرفة المسماة بجماعة التبليغ والدعوة الجهلة، فكلام مزمل هذا ذات كلامهم وفكرهم المنحرف في هذا الباب؛ فهم يطالِبون -كما طالب مزمل- الجميع أن يكونوا دعاةً؛

قال الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-: «الإبلاغ واجبٌ، لكن الإبلاغ تارةً يكون للنصوص فقط؛ اللي ما يفهم المعنى يبلِّغ النص إذا حفظ القرآن أو شيئاً منه يبلِّغه للآخرين يحفِّظهم يدرِّسهم إياه، هذا تبليغٌ للنص.

وأما الذي ما عنده فقه وعلم؛ لا يشرح لا يفسِّر، إنما يبلِّغ النص فقط، يدرِّس الناس القرآن يدرسِّهم الأحاديث يحفظِّهم إياها يقرأها عليهم موعظةً، لا بأس.

القسم الثاني: تبليغ المعنى، وهذا لا يقوم به إلا العلماء؛ فلا يفسر القرآن أو يفسر الأحاديث أو يفتي في الحلال والحرام ، إنما هذا من شأن العلماء. فافهموا هذا! أن التبليغ واجبٌ على كل حالٍ لكن إما أن يكون تبليغاً للنص فقط ، أو تبليغاً للنص والمعنى…» [فتوى صوتيَّة مفرَّغة].

ولا غرابة في هذا التأصيل من مزمل وأمثاله؛ فأبواب الدعوة عندهم مفتوحةٌ على مصراعيها لكل طارق! ومنابرهم ممهدةٌ لكل مخالفٍ وناعق! والله المستعان. ولذلك لا تستغرب إن سمعته يقول -بسوقيَّته المعهودة-: «ونحن بندِّي فرصة لأي زول؛ بقى أنصار سنة، بقى أنصار مهدي، بقى شيوعي، بقى جبهجي، بقى شيطان رجيم، بندِّيه فرصة يخش، إن قال حق بنؤيده (جزاك الله خير كثَّر الله من أمثالك)، إن قال باطل بنجغِّمه وبيتردم»!!

 

(3) وبعد أن أصَّل مزمل ما أصَّل لم يجد وسيلةً لأن يحمل الناس بها عليه إلا التألي على الله عز وجلَّ، والعياذ بالله؛ فقال: (الله ما بيدخلك الجنة إلا تكون داعية)! ألم يسمع في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: «من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلانٍ وأحبطت عملك» رواه مسلم.

 

(4) أيضاً: قوله: «الله ما بيدخلك الجنة إلا تكون داعية»! فيه شيءٌ من نَفَس الخوارج الوعيدية؛ فلو سلَّمْنا جدلاً أن الدعوة فرض عينٍ على الجميع لما صحَّ إطلاق مثل هذه العبارة في هذا المقام! فحتى لو كانت المعصية من الكبائر نقول عن أصحاب الكبائر إنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذَّبهم.

وقد قال الطحاويُّ -رحمه الله- كما في العقيدة الطحاوية:

«نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بجنة، ونستغفر لسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنِّطهم».

 

(5) جهل مزمل بالعقيدة السلفية والقول فيها على الله بلا علمٍ؛ حيث قال: «الله ما بيحرسك إلا تشتغل في دعوته…» فإن الله هو الحافظ الحفيظ على كل شيء.

 

(6) سلوكه مسلك الإرهاب الفكري الجاهل لأتباعه ولمن يبتليه الله بالسماع إليه؛ فلا دخول للجنة إلا للدعاة! ولا حراسة ولا حفظ إلا للدعاة! وهذا من أعظم الجهل والفساد.

 

(7) التأسيس والتأصيل للفوضى في باب الدعوة إلى الله تعالى؛ حيث يجرِّىء الجهول مزمل عليها وعلى مضمارها كل من هبَّ ودبَّ من الناس، فإذا كان مزمل بهذا الجهل المظلم وهذه أقواله وتأصيلاته الفاسدة فكيف سيكون أتباعه ومن نصبوه عليهم داعيةً؟! بل وأيُّ دعوةٍ هذه؟!!

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

 

إعداد

إدارة موقع راية السَّلف بالسَّودان

www.rsalafs.com

27/ ذو القعدة/ 1437هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *