نصيحة الخطيب البغدادي لطلبة العلم
نصيحة الخطيب البغدادي لطلبة العلم
  | المقالات   | 1049

بسم الله الرحمن الرحيم

نصيحة الخطيب البغدادي لطلبة العلم

 

قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي -نضر الله وجهه-:
نشكر الله سبحانه على ما ألهمنا ونسأله التوفيق للعمل بما علَّمَنا، فإن الخير لا يُدرَك إلا بتوفيقه ومعونته، ومن يضلل الله فلا هادي له من خليقته، وصلى الله على محمد سيد الأولين والآخرين وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين.

ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه وإجهاد النفس على العمل بموجبه فإن العلم شجرة والعمل ثمرة وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً.
وقيل: العلم والد والعمل مولود والعلم مع العمل والرواية مع الدراية.
فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قلَّ نصيبك منهما.
وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته. والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة وتمم على عبده النعمة. فأما المدافعة والإهمال وحب الهوينى والاسترسال وإيثار الخفض والدعة والميل مع الراحة والسعة فإن خواتم هذه الخصال ذميمة وعقباها كريهة وخيمة.
والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة فإذا كان العمل قاصراً عن العلم كان العلم كَلاً على العالم، ونعوذ بالله من علمٍ عاد كلاً وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غلاً.
قال بعض الحكماء: العمل خادم العمل، والعمل غاية العلم فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إلي من أن أدعه زهداً فيه.
وقال سهل بن مزاحم: الأمر أضيق على العالم من عقد التسعين، مع أن الجاهل لا يعذر بجهالته لكن العالم أشد عذاباً إذا ترك ما علم فلم يعمل به.
قال الشيخ: وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد والعمل الصالح والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا.
وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضى بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم. وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما وهل المغرم بحبها إلا ككانزهما.
وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها وراعى واجباتها، فلينظر امرؤ لنفسه وليغتنم وقته فإن الثواء قليل والرحيل قريب والطريق مخوف والاغترار غالب والخطر عظيم والناقد بصير والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ))[الزلزلة: 7 – 8].
[اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي .ص 18 – 19 – 20/ ط المعارف]