الرد على من يقول: أكثرت يا شيخ ربيع من الردود!!
الرد على من يقول: أكثرت يا شيخ ربيع من الردود!!
  | المقالات   | 722

بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على من يقول: أكثرت يا شيخ ربيع من الردود!!

قال الشيخ العلامة د. ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى ومدَّ عمره في طاعته-:

«فإن قلتَ: لماذا كل هذا مع سيد قطب؟

فأجيبك:

لماذا وقع أكثر من هذا أضعافاً مضاعفةً مع الجهم بن صفوان، والجهمية، ومع عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وأبي هاشم الجبائي، والجاحظ، وثمامة بن أشرس، ومع الروافض ورؤوسهم، والجبرية ورؤوسهم، والمرجئة ورؤوسهم، والصوفية ورؤوسهم، بل والأشعرية ورؤوسهم منذ ذرَّت قرون هذه البدع إلى يومنا هذا.

واقرأ كتب الجرح والتعديل والكتب التي خصصت للجرح.

واقرأ كتب السُّنَّة (العقائد الصَّحيحة)، وانظر ماذا قالوا في أهل البدع وأئمتهم ودعاتهم وطوائفهم.

واقرأ كتب المقالات، وكتب الملل والنحل حتى لمن وقعوا في بدع حيث لم يسعهم السكوت عما يرونه باطلاً.

فقد انتقدوا الفرق والأشخاص، وبيَّنوا ما وقعت فيه كل فرقةٍ من ضلالٍ وانحرافٍ عن الحق الذي جاء به محمد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

فقد ذكر العلماء من رؤوس أهل الضلال مثل:

1- غيلان بن أبي غيلان الدمشقي، كان يدعو إلى القدر، فقتله هشام بن عبد الملك، فكتب إليه رجاء بن حيوة: “بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخل عليك شيء من قتل غيلان وصالح، وأقسم لك يا أمير المؤمنين أن قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم والترك الضعفاء” [للعقيلي (3/437)].

2- الجعد بن درهم، عداده في التابعين، مبتدعٌ ضالٌّ، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلِّم موسى تكليماً، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورةٌ.

3- معبد الجهني، أول من تكلم في القدر.

ذكر عبد القاهر بن طاهر البغدادي هؤلاء الثلاثة من القدرية ثم قال: “وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر، وأقرانهم. وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم” [الفرق بين الفرق (ص18-20)].

وذكر العلماء فرق الضلال ورؤوسها بكل ما يستحقونه من المقت والطعن، وما أثروه عنهم من خبث المعتقد.

فذكروا (البكرية) أتباع بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد، و(الضرارية) أتباع ضرار بن عمرو، و(الجهمية) أتباع جهم بن صفوان، و(الهشامية) أتباع هشام بن الحكم أو أتباع هشام الجواليقي، و(الزرارية) أتباع زرارة بن أعين، و(اليونسية) أتباع يونس القمي، هذه من فرق الروافض.

وتحدثوا عن فرق الخوارج كـ(الأزارقة) أتباع نافع بن الأزرق الحنفي، و(النجدات) أتباع نجدة بن عامر الحنفي، و(الصفرية)أتباع زياد الأصفر، و(الصلتية) أتباع صلت بن عثمان وقيل: الصلت ابن أبي الصلت، و(الحمزية) أتباع حمزة بن أكرك، و(الإباضية) أتباع عبد الله ابن إباض وهم فرق.

وعن فرق المرجئة كـ(النجارية) أتباع الحسين بن محمد النجار، و(البرغوثية) أتباع محمد بن عيسى الملقب برغوث، و(اليونسية)أتباع يونس بن عون، و(الغسانية) أتباع غسان المرجىء، و(التومنية) أتباع أبي معاذ التومني، و(الثوبانية) أتباع أبي ثوبان المرجىء، و(المريسية) أتباع بشر المريسي.

وعن (مرجئة الفقهاء) كحماد بن أبي سليمان، وأتباعه من أهل الكوفة وعن (الخطابية) و(الكرامية) و(المشبهة) وسائر أصناف أهل البدع، فلم يسكت أئمة السنة عن أهل البدع أفراداً أو جماعاتٍ.

بل حتى من وقع في بدعةٍ لم يسكت عنهم، وألف عدد من هذا الصنف مؤلفات في طوائف أهل البدع وبيَّن زيغهم وضلالهم سواء كانت هذه البدع مكفِّرةً أو غير مكفرة.

إنَّ دافع ذلك البيان الواسع الذي يأخذ حيِّزاً كبيراً من المكتبات الإسلامية، بل تزخر به المكتبات الإسلامية هو النصيحة لله ولكتابه ولرسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولأئمة المسلمين وعامتهم.

هذا المبدأ يشعر به ويحس به حتى من وقع في بدع فما بالك بأهل السُّنَّة المحضة.

وليتذكر المطلع الناصح كم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية من الكتب نقداً للأشعرية وحدهم، فما (الواسطية) و(الحموية)و(التدمرية) و(درء تعارض العقل والنقل) و(تلبيس الجهمية) إلا بعض من جهوده وجهاده في نقد الأشعرية مع أنه يراها أقرب الطوائف إلى السنة، ولم يسكت هذا الإمام الناصح عن الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرهم من الفرق.

فهل يجب السكوت عن فكر الإخوان المسلمين وقد حوى جل أو كل ما ذكره شيخ الإسلام فيما نقلناه عنه آنفاً؟

وهل يجوز السكوت عنه وقد استخدم أخطر أساليب الغزو الفكري وأخطر خططه لغزو مؤسسات المنهج السلفي ومعاقله الشامخة؟! وإنَّ من أخطر وأفتك أسلحة هذا الغزو هي كتب سيد قطب ونسج الهالات الضخمة حول شخصيته وفكره ومنهجه وكتبه.

فهل السكوت عن كل هذا من النصيحة والأمانة، ومن الاعتصام بالكتاب والسنة والأخلاق الفاضلة والآداب الراقية، أو هو من الغش والخيانة؟!

قد يعذر من لا يعرف ذلك ولا يدركه لسببٍ من الأسباب التي يعذره الله بها، أما أنا وقد عرفتُ ذلك فقد آليت على نفسي لأقومنَّ بذلك الواجب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فراراً من جريمة الغش الكبرى في الدين، الغش لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وفراراً من جريمة الكتمان وعواقبه الوخيمة التي توعد الله بها الكاتمين في قوله العظيم: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).

وقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)).

إنَّ من يشحن تفسير كتاب الله بالبدع والأهواء والتحريف، وإنَّ من يؤلف كتباً يشحنها كذلك بالبدع والأهواء القديمة والحديثة باسم الإسلام يعتبر متجرئاً على كتاب الله وسنة رسوله، وآراؤه وأفكاره مشوِّهةٌ للحق الذي نزل الله الكتاب به صارفةٌ للناس عن الحق الذي تضمنه الكتاب والسنة التي هي بيان هذا الكتاب، وذلك موجودٌ في كتب هذه الفرقة، ولا سيما كتب سيد قطب، وإني لأذكر الذين يعرفون كل هذا ويؤيدون هذه الدعوة من قريبٍ أو بعيدٍ بقول الله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)).

إنني أنطلق في عملي هذا من منطلق النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، متبعاً لكتاب الله وسنة رسوله في التحذير من الضلال والبدع، ومتأسياً بالسلف الصالح -رضوان الله عليهم- في جهادهم ونصحهم لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والرَّدُّ على أهل البدع جهادٌ.

أقول ذلك وإن ساءت ظنون المبطلين والمخذلين، وإن كثرت إشاعات المرجفين، فهذه سنَّة الله في خلقه، صراعٌ بين الحق والمنافحين عنه، وبين دعاة الباطل وأنصار الباطل ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)).

وأقول للمخدوعين المغشوشين:

استخدموا عقولكم بجدٍّ وعزمٍ وإخلاصٍ وصدقٍ، وحاكموا ما يقدمه الناصحون لكم شفقةً عليكم ورحمةً بكم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومنهج السلف الصالح، وكل ذلك والحمد لله متوفرٌ بين أيديكم، فما وجدتموه موافقاً لكل ما ذكرت فاقبلوه، لا لأجل فلان وفلان بل لأنه الحق، وما وجدتموه من خطأ فاضربوا به عرض الحائط كائناً من كان قائله.

وأخرجوا أنفسكم وعقولكم من الزنزانات والجدران المظلمة التي وضعكم فيها من لا يرقب فيكم إلاًّ ولا ذمَّةً من سماسرة السياسة والحزبية الذين لا يهمهم إلا تحقيق مطامعهم وأهدافهم السياسية.

واتقوا الله في أنفسكم فإنكم بهذا الاستخذاء والتبعية العمياء لا تضرون إلا أنفسكم، ولا نملك إلا البيان الواضح والنصيحة التي أوجبها الله، ولم يأل الناصحون فيكم جهداً، ولم يدخروا وسعاً.

وأزيدكم وأبلغ في النصيحة فأقول لكم:

اقرأوا كتاب الله وسنة نبيه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وما دوَّنه سلف الأمة الصالح وأئمتها في ذم التعصب والتحزب والهوى والبدع وأهلها، لعل ذلك يساعدكم على الخروج مما أوقعكم فيه المخادعون.

أسأل الله الكريم أن يوفق شباب هذه الأمة وشيبها لاتباع الحق، وموالاة أهله، ولبغض الباطل والهوى والبدع وأهلها، خاصَّةً المعاندين المخاصمين للحق وأهله. إنَّ ربي لسميع الدعاء.

وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم».

من كتاب (العواصم مما في كتب سيِّد قطب من القواصم)