التصوير الشمسي وبطلان فتوى من أَجازه للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى-.
التصوير الشمسي وبطلان فتوى من أَجازه للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى-.
  | المقالات   | 1147

التصوير الشمسي

وبطلان فتوى من أَجازه

للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى-.

وجه إليَّ سؤال عما كتبه أَبو الوفاء محمد درويش في مجلة (الهدي النبوي) من الفتوى بشأن التصوير الشمسي، والفتوى بجوازه مطلقًا، ومؤكدًا الجواز ومستدلاً عليه بما رواه مسلم عن بسر بن سعيد، حينما قال بسر لعبدالله  الخولاني وقد رأى سترًا فيه صورة في بيت زيد: أَلم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأَول، فقال عبد الله أَلم تسمعه حين قال: إلا رقمًا في ثوب، وبقوله تعالى:((وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)).
مقررًا ذلك بقوله: لا يريد إلا أَنه جعل أَجسامكم في صورة حسنة، قال: فالتصوير في الحقيقة لا يطلق إلا على المجسمات.
وجوابي عن ذلك أَن أَقول: تصوير ماله روح لا يجوز، سواءٌ في ذلك ما كان له ظل وما لا ظل له، وسواءٌ كان في الثياب والحيطان والفرش والأَوراق وغيرها.

هذا الذي تدل عليه الأَحاديث الصحيحة، كحديث مسروق الذي في البخاري، قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنَّ أَشدَّ الناس عذابًا يومَ القيامةِ الْمصوِّرُونَ” وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الَّذينَ يَصنعونَ هذهِ الصورَ يُعذبُونَ يومَ القيامة يُقالُ لهم أَحْيُوا ما خَلَقْتُم”.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ صورَ صورة في الدُّنيا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فيها الروحَ وليس بنافخ” فهذه الأَحاديث الصحيحة وأَمثالها دلت بعمومها على منع التصوير مطلقًا، ولو لم يكن في الباب سواها لكفتنا حجة على المنع الإطلاقي، فكيف وقد وردت أَحاديث ثابتة ظاهرة الدلالة على منع تصوير ما ليس له ظل من الصور: منها حديث عائشة رضي الله عنها وهو في البخاري أَنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل، فقالت أَتوب إلى الله عما أذنبت، فقال: ما هَذهِ النِّمرقَةُ. فقلتُ لتجلس عليها وتَوَسَّدَهَا. قال:”إِنَّ أَصحاب هذه الصور يُعذبون يوم الْقيامة يقال لهم أَحيوا ما خلقتم وإِنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصور”.
ومنها حديث أَبي هريرة رضي الله عنه الذي في السنن وصححه الترمذي وابن حبان ولفظه: “أَتاني جبريلُ فقَالَ أَتيتكَ الْبارحةَ فَلمْ يمنعني أَن أَكونَ دَخلتُ إِلا أَنهُ على الْباب تماثيل، وكان في الْبيت قِرامُ سِتْر فيه تماثيل وكانَ في البيتِ كلبٌ، فمرْ برأس التمثال الذي على باب الْبيت يقطع فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فليُقطَعْ فَلْيُجْعَلْ منهُ وِسادتانِ منبوذتانِ تُوْطَآن، وَمُرْ بالكلبِ فَلْيُخْرجْ.

ففعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم” ومنها ما في مسلم عن سعيد بن أَبي الحسن، قال جاءَ رجل إلى ابن عباس، فقال إني رجل أُصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال له: أدن مني. فدنا منه. ثم قال: ادن مني. فدنا منه. ثم قال: أدن مني. فدنا حتى وضع يده على رأْسه، قال: أُنبئُك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”كُلُّ مُصور في النارِ يُجْعَلُ لهُ بكلِّ صُورة يُصورُهَا نفسٌ فتعذبُهُ في جهنم” وقال: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له. ومنها ما في سنن أَبي داود، عن جابر رضي الله عنه “أَن النبي صلى الله عليه وسلم أَمر عمر بن الْخطاب زمن الْفتح وهو بالْبطحاء أَن يأتي الْكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها”.

ومنها ما بوب عليه البخاري بقوله: (باب نقض الصور) وهو حديث عمران بن حطان أَن عائشة رضي الله عنها حدثته “أَن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه”.
ومن هذه الأَحاديث وأمثالها أَخذ أَتباع الأَئمة الأَربعة وسائر السلف إلا من شذ منع التصوير، وعمموا المنع في سائر الصور، سواء ما كان مجسدًا وما كان مخططًا في الأَوراق وغيرها كالمصور في أَصل المرآة وغيرها مما يعلق في الجدران ونحو ذلك.
أَما تعلق من خالف في ذلك بحديث “إلا رقماً في ثوب” فهو شذوذ عن ما كان عليه السلف والأئمة، وتقديم للمتشابه على المحكم، إذ أنه يحتمل أن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأَرواح كصورة الشجر ونحوه، كما ذكره الإمام أَبو زكريا النووي وغيره.

واللفظ إذا كان محتملاً فلا يتعين حمله على المعنى المشكل، بل ينبغي أَن يحمل على ما يوافق الأَحاديث الظاهرة في المنع التي لا تحتمل التأويل.

على أَنه لو سلم بقاء حديث إلا رقمًا في ثوب على ظاهره لما أَفاد إلا جواز ذلك في الثوب فقط، وجوازه في الثوب لا يقتضي جوازه في كل شيء، لأَن ما في الثوب من الصور إما ممتهن وإما عرضة للإمتهان، ولهذا ذهب بعض أَهل العلم إلى أَنه لا بأس بفرش الفرش التي فيها التصاوير استدلالاً بما في حديث السنن الذي أَسلفنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “ومُرْ بالسِّتْر فَلْيُجْعَلْ منهُ وِسادتان مَنْبُوذَتانِ تُوْطَآن” إذ وطئها وأمتهانها مناف ومناقض لمقصود المصورين في أَصل الوضع وهو تعظيم المصور والغلو فيه المفضي إلى الشرك بالمصور، ولهذه العلة والعلة الأخرى وهي المضاهاة بخلق الله جاءَ الوعيد الشديد والتهديد الأَكيد في حق المصورين.
وأما جعل الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ((وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)) معارضة لما دلت عليه النصوص النبوية بعمومها تارة و بظاهرها أخرى فهذا من أَفحش الغلط، ومن أَبين تحريف الكلم عن مواضعه، فإن التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه فهو مثله في علة المنع وهي إبراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر، ولهذا يوجد في كثير من المصورات الشمسية ما هو أبدع في حكاية المصور حيث يقال هذه صورة فلان طبق الأَصل.

وإلحاق الشيء بالشيء لا يشترط المساواة من كل الوجوه كما هو معلوم.

هذا لو لم تكن الأَحاديث ظاهرة في التسوية بينهما، فكيف وقد جاءَت أَحاديث عديدة واضحة الدلالة في المقام.
وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات، وهذا فاسد فإن ظهور الوجه في المرآة ونحوها شيء غير مستقر، وإنما يرى بشرط بقاءِ المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فقد ظهور الصورة في المرآة ونحوها، بخلاف الصورة الشمسية فإنها باقية في الأَوراق ونحوها مستقرة، فإلحاقها بالصور المنقوشة باليد أَظهر وأَوضح وأصح من إلحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها، فإن الصورة الشمسية وبدو الصورة في الأَجرام الصقيلة ونحوها يفترقان في أَمرين: (أَحدهما): الاستقرار والبقاءُ. (الثاني): حصول الصورة عن عمل ومعالجة.

فلا يطلق لا لغةً ولا عقلاً ولا شرعاً على مقابل المرآة ونحوها أنه صور ذلك، ومصور الصور الشمسية مصور لغة وعقلاً وشرعًا، فالمسوي بينهما مسو بين ما فرق الله بينه.

والمانعون منه قد سووا بين ما سوى الله بينه، وفرقوا بين ما فرق الله بينه، فكانوا بالصواب أَسعد، وعن فتح أَبواب المعاصي والفتن أَنفر وأَبعد، فإن المجيزين لهذه الصور جمعوا بين مخالفة أَحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث سموم الفتنة بين العباد بتصوير النساء الحسان، والعاريات الفتان في عدة أَشكال وأَلوان، وحالات تقشعر لها كل مؤمن صحيح الإيمان، ويطمئن إليها كل فاسق وشيطان، فالله المستعان وعليه التكلان.

قاله الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(24-11-1373هـ وطبعت عام 1385)

[مجموع فتاوى ومقالات الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى-]