أسئلة مهمة حول الرقية والرقاة
أسئلة مهمة حول الرقية والرقاة
  | الأذكار والدعوات والرقى الشرعية   | 4569

بسم الله الرحمن الرحيم

أسئلة مهمة حول الرقية والرقاة

 

بسم الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

 

السؤال:

فضيلة شيخنا الوالد ربيع بن هادي المدخلي -حفظكم الله تعالى-: عندنا راقٍ يأمر المرأة المصروعة بأن تضع المسك على فرجها وعلى دبرها وحلمتي ثدييها وشفتيها ويقول أن هذه الوصفة تمنع جماع الجني المتلبس بها، ويقول أن هذا ثبت عنده بالتجربة، فهل فعله هذا صحيح؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه، وبعد:

فالتداوي مشروع وجائز: “ما أنزل الله داءً إلا قد أنزل له شفاء، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله“. والرقية مشروعة بالقرآن؛ القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، ولا دواء أنجع من الرقية بالقرآن والسنة، ولكن بشروط منها:

– إخلاص الراقي وإخلاص المرقي -بارك الله فيك- وصدق اللجأ إلى الله تبارك وتعالى.

فإذا كان الطرفان مخلِصان لله عز وجل، والرقية بالقرآن أو السنة؛ فإنه لا دواء أنجع من هذا الدواء، وهذا معروف عن العلماء يقولونه وينقلونه. والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا رقيةَ إلا مِن عينٍ أو حُمَةٍ“. العين معروفة؛ وهي الإصابة بعين العائن، قد يكون العائن خبيثًا؛ فينتقل من عينيه الشريرتين إلى الشخص المحسود فيضر. فالعين حق، ولكن بإذن الله، ولها تأثيرٌ لا شك في ذلك، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: “العينُ حقٌ“.

والسحر حقيقة ولا يضر إلا بإذن الله، وكلها لا تقع ولا تضر إلا بإذن الله. وأنجع علاج لها -للسحر والعين والحمة وما شاكل ذلك-: هو الرقية الشرعية بالقرآن والسنة؛ إذا توفر الإخلاص والصدق؛ لأنه قد يكون الإنسان ما عنده الثقة بالله سبحانه وتعالى، قد يكون عنده شيء من سوء الظن -والعياذ بالله-، وقد يكون الراقي دجَّالا كذابًا ولا يستعمل القرآن، فيلجأ إلى حيل أخرى!.

وقد تصدَّر كثير مِن الناس للرقية، يتصدر ويعلن إعلانات عن نفسه ويشاع عنه أنه ما شاء الله راقٍ!! وهذا مِن أعمال الشعوذة والدجَل والنَّصْب وأخذ أموال الناس بالباطل، فهؤلاء لا يفيدون الناس شيئًا، وأكثر ما يعتمدون على الحيل، هذا الأسلوب الفارغ!!

يعني: هذا يقول: تأتيه امرأة والثانية والثالثة! ويخاطبها بهذا الأسلوب الخسيس: حطي لفرجك.. حطي لدبرك!! سيء الخلق! هذا رديء! وأنا أنصح هذا الإنسان أن يتقي الله ويترك التصدي للرقية.

الرقية مِن أيّ مسلم مخلص صادق معروف بالتقوى والصلاح يرقي، وما يُصدِّر نفسه ويعلن للناس أنه راقٍ ويأتيه الرجال والنساء مِن أماكن بعيدة وقريبة، هذا ليس مشروعًا أبدًا. الرسول ما نصب نفسه هكذا؛ كان يرقي نفسه ويرقي غيره إذا احتاج الناس إلى الرقية. أما الإنسان ينصب نفسه ويضع نفسه في منصب الرقية -مثل منصب الإفتاء-؛ هذا غلط، وخاصة إذا لجأ إلى مثل هذه الأساليب التي فيها دلالة على سوء الإرادة وسوء القصد والسفه.

يا أخي ! عالِج ولا تتكلف ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: الآية (86)]، الرسول أخبرك أن الرقية بالقرآن والرقية بالسنة، والأمور بيد الله عز وجل؛ ابذل السبب المشروع ولا تلجأ للحيل والتجارب القبيحة والكلام الفارغ.

والاتباع الصادق للرسول: أن تفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، لا تُغير، لا في كيفية ولا في صفة ولا في شيء، افعل كما فعل؛ تصلي كصلاة الرسول، وتحج كما حجَّ، وكما تتبعه في كل شيء وتفعل مثل فعله. أما الاختراعات في هذا الباب -يعني باب الرقية- والحاجات هذه؛ فمالها لزوم.

 إذا لم تنفع رقيتك بالقرآن -ترقي الناس بالقرآن ما نفع، بالسنة ما نفعت-؛ إما لخلل في المرقي أو لأمر يريده الله تعالى؛ فلماذا تذهب لوسائل أخرى وتخترع أشياء أخرى؟! ما الذي كلَّفك؟ إلا حب المال وحب الشهرة والكلام الفارغ! أنا لا أرقي أحدًا وكرهت الرقية مِن أجل أعمال هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم للرقية لأخذ أموال الناس ويلجؤون إلى مثل هذه الأساليب وهذه الحيل!!.

فأنا أنصح هذا الإنسان -إن كان سلفيًّا- أن يتقي الله عز وجل ويترك طلب الشهرة، وتنصيب نفسه للرقية، يترك هذا الأسلوب. أنت واحد من المسلمين إذا احتاج إليك إنسان؛ ارقه بالطريق الشرعي ويكفيك، وخل المجال لغيرك، لا تحتكر الرقية. الاحتكار هذا دليل على سوء القصد -بارك الله فيكم-. في المجتمع مَن هو أفضل منك، ويستجاب له دعاؤه أكثر مما يستجاب لك؛ فلماذا تحتكر هذا المنصب وتلجأ إلى مثل هذه الوسائل؟! أنصح هذا أن يتقي الله ويتبع سبيل المؤمنين ويتبع سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينصب نفسه للرقية، ولا يتكلف في هذه الأشياء ويفسح المجال لغيره.

 أيّ مسلم فيه خير وعنده تقوى؛ فهو مظنة الإجابة؛ يستجاب له إذا دعا، إذا قرأ القرآن؛ يستجيب الله دعاءه ويشفي الله بسببه -بسبب إخلاصه وصدقه-، وبسبب الوسيلة الشرعية التي اتخذها لشفاء هذا المريض.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

 

 

السؤال: الذي لا يحسن قراءة القرآن؛ هل يجوز له أن يرقي؟

الجواب:

يجوز له أن يرقي إذا اضطر إلى ذلك, لكن عليه أن يتعلم: “الماهِرُ بالقرآنِ؛ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البررة، والذي يَقرأ القرآنَ ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ؛ له أجْرانِ” يعني: هو مأجور -ولو يتتعتع في قراءته-, وقد لا يستطيع الإحسان في القراءة فيقرأ ويحاول أن يحسِّن قراءته.

 

السؤال: هل التجربة لها مجال في الرقية؟

الجواب:

التجربة في الطب وليس في الرقية، الطب قائم على التجارب. وفي الرقية: الأحسن أن يقتصر المسلم على الرقية الشرعية، أما
التجارب؛ ما الذي يدريك

-أولا-، ومِن أين جاءتك الفكرة هذه؟!

السؤال: هل يجوز مخاطبة الجن المسلم؟

الجواب: لا يجوز. ما الذي يدريك أنه مسلم؟ قد يكون منافقًا ويقول: (أنا مسلم)! يكون كافرًا، ويقول: (أنا مسلم)! جني ما تعرفه وأنت لا تعلم الغيب. ما يجوز -بارك الله فيك-. يكون إنسان أمامك يدعي الإسلام قد تأخذ بظاهره، تراه أمامك يصلي و.. و..، ثم أنت لا تعرفه. لكن جن دخل في إنسان يقول لك: (أنا مسلم)، وقد يكون فاجرًا يقول لك: (أنا مسلم) ! وليس هناك داعٍ للتكلف فما الذي كلّفك -يا أخي-؟! هناك مستشفيات مفتوحة وإذا صبر المريض يثيبه الله عز وجل.

النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه الأعمى ويطلب منه أن يدعو له بالشفاء؛ فيقول له: “إن شئتَ؛ دعوتُ لك، وإن شئتَ؛ صبرتَ“، وتأتيه الجارية تقول: يا رسول الله! إني أُصرَع؛ فادْعُ الله لي. فيقول لها: “إن شئتِ؛ دعوتُ لكِ، وإن شئتِ؛ صبرتِ، ولكِ الجنة“.

 فليس هناك هذا التكلف ! أنت أرحم مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

الله يبتلي العباد بالأمراض، يبتليهم “ما مِن شيء يصيب المؤمنَ مِن نَصَبٍ، ولا حزنٍ، ولا وَصَبٍ، حتى الهم يهمه؛ إلا يكفِّرُ الله به عنه سيئاته“. فالمؤمن معرَّض للأمراض ويُثاب -إن صبر-: ﴿وَبَشِّرِ الصابِرينَ الَّذِينَ إذَا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [البقرة: الآيات (155، 156)]، مثل هذه الأمراض- ﴿قاَلُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: الآية (156)].

والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول في السبعين الذين يدخلون الجنة: “لا يَسترقون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون“، لا يطلب الرقية مِن أحد. وهذا الذي ذهب يطلب الرقية وكذا وكذا؛ نقص في إيمانه، نقص توكله على الله عز وجل, علِّمه وقل له: اصبر، لا تطلب الرقية، والجأ إلى الله، وادْعُ الله عز وجل؛ لأن الرقية من نوع السؤال؛ لهذا فهي تؤثر على مسألة التوكل على الله عز وجل، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يَسترقون” يعني: لا يطلبون الرقية؛ لأن الرقية سؤال تنقص من إيمانه وتنقص من توكله.

 

فالمؤمن يُبتلى في هذه الحياة بالأمراض والنكبات والمصائب؛ ليرفع الله درجاته -إن صبر-بارك الله فيكم-، “إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن صبر؛ فله الصبرُ، ومَن جزع؛ فله الجزع“.

 

فالمؤمن -أولاً-: عليه أن يصبر على قضاء الله، وإذا ارتفع أكثر إلى درجة الرضا بقضاء الله عز وجل؛ فهذا أعلى المراتب في الإيمان -إن شاء الله-. فالصبر واجب والجزع حرام، فلا يجزع على أقدار الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا [التوبة: الآية (51)]، وإذا أراد الله أن لا تشفى؛ لا تنفعك رقية ولا غيرها، كل شيء بإرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى. فالمؤمن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى. عليه -أولاً- أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويصبر على ذلك -بارك الله فيك-، وإذا وفقه الله أن يرتقي إلى درجة الرضا هذا أمر مطلوب -بارك الله فيك-، وإذا أحب مثلا أن يتداوى؛ يتداوى، وإذا استرقى؛ لا نقل حرام، لكنه مكروه ويُنقص من درجته -بارك الله فيكم-.

 

وأما الذي يتصدى للرقية ويعمل لنفسه شهرة، بل بعضهم ينشرون في الصحف!

وبعضهم ينشئون مكاتب ! هؤلاء نصّابون ! والله يُتَّهم مَن ينصب نفسه للرقية، متهم في دينه، ما الذي يحمله على هذا؟! أنتَ -يا أخي- واحد من سائر المسلمين، ما هي الخصوصية التي جاءتك؟! فيه أتقى منك وأفضل منك وأعلم منك… وإلخ. كيف جاءت لك هذه الخصوصية؟!! ثم لا تكتفي بالرقية الشرعية، وتذهب إلى أشياء تخترعها !! وفق الله الجميع.

 

سؤال: هل تجوز رقية الكافر؟

الجواب:

تجوز. أبو سعيد رقى كافرًا، لما خرج في سرية ومَرُّوا بحيٍّ أو بماء فاستضافوهم فلم يضِيفوهم، فلُدغ سيدهم فجاءوا وقالوا: سيدنا قد لدغ؛ فهل فيكم من راقٍ؟ قالوا: واللهِ لا نرقيه حتى تجعلوا لنا جعلا ؛ استضفناكم فلم تُضِيفونا! فأعطوهم قطيعًا من الغنم، ورقاه بالفاتحة؛ فشفي فكأنما نشط من عقال ! يعني الراقي مخلص -بارك الله فيكم-، وأقره رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أقره على هذه الرقية.

الآن الراقون يأخذون الأجور والأموال من الناس -وإن لم يستفيدوا منهم-!! وجواز أخذ الأجر على الرقية مشروط بشفاء هذا المريض؛ كما في هذا الحديث: في الوقت نفسه كأنما نشط من عقال! فأخذوا القطيع، ولو كان ما شفي؛ ما أخذوا القطيع.

فالآن يلهف الراقي بالأموال ويذهب المريض بمرضه والمصاب بمصيبته، ولا يستفيد وماله منهوب، فتكون هذه الأموال التي يأخذها حرامًا ! بارك الله فيك.

 

السؤال: ما حكم قراءة القرآن في الماء؟

الجواب:

لا ينبغي، وإن قاله بعض العلماء؛ لا يوجد دليل عليه. الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما فعل هذا، والصحابة ما فعلوا. بارك الله فيكم. وهؤلاء الذين يُجيزون الكتابة وبعض الأشياء والغُسل ومثل هذه الحاجات ما عندهم أدلة، وهم علَّمونا أننا لا نقبل مسألة إلا بالدليل، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويُرد إلا رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.

 

السؤال: ما معنى هذا الحديث: “لا بَأسَ بالرُّقَى ما لم تَكُنْ شِرْكًا”؟

الجواب:

نعم، لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا. الرقية بالطيب في الفرج والدبر ليس منها، يعني: تدعو الله عز وجل، تقرأ آية أو حديثًا أو دعاءً؛ فهذا جائز في الشرع. بعضهم يرقي بالسحر! يرقي بكلمات فيها شِرك! يرقي بكلمات أعجمية تحتمل الباطل والشرك! الرقية تكون باللغة العربية، والتقي الصالح ما يتجاوز كلام الله وكلام الرسول، لكن إذا توسَّع وزاد دعاءً من عنده جائزا؛ لا بأس؛ مثل دعاء الرسول -عليه الصلاة والسلام-: “بسم الله، ربَّ الناسِ! أذهِبِ البأسَ، واشْفِ أنتَ الشافي، لا شِفاءَ إلا شفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادرُ سقمًا“، أو يرقي نفسه فيقول: بسم الله، بسم الله، بسم الله، أعوذ بعزةِ الله وقدرته مِن شر ما أجد وأحاذر (سبع مراتوبسم الله (ثلاث مرات). هذا يعني: عثمان ابن أبي العاص الثقفي كان يشكو مرضًا، فقال الرسول: “ضعْ يَدك على الموضع الذي يؤلمك، واقرأ: قل: بسم الله -ثلاث مرات-، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته مِن شرِّ ما أجِد وأحاذر -سبع مراتٍ-“. فقالها؛ فبرأ وشفي. أفضل شيء كلام الله، ثم كلام الرسول؛ فاخترِ الأفضل.

فيكم رقاة؟ والله أنا أنصح السلفيين أن لا يدخلوا هذا الباب، ولا ينصب أحد نفسه.

الألباني، ابن باز، ابن عثيمين؛ هل نصبوا أنفسهم لهذه الأشياء؟ السلف من: الصحابة، التابعين، وأئمة الهدى: أحمد، مالك، الشافعي؛ هل نصبوا أنفسهم هكذا؟! أين أنتم؟ نقول: السلف السلف، ونحن سلفيون، بعدين نخترع هذه الأشياء! الرقية جائزة لكن ليست بالطرق هذه. فكونوا أهل اتباع حقّا -بارك الله فيكم-، اتركوا هذه الأشياء التي تشوِّه الدعوة، وتشوه أهلها -بارك الله فيكم-.

 

إذا جاءك إنسان يطلب منك الرقية؛ ارْقِه، أو يذهب عند غيرك وخلاص. والشفاء بيد الله يدعو الله عز وجل؛ يشفيه الله عز وجل، ويخلِص ويدعو بهذه الأدعية لنفسه، والله يجعل له مخرجًا: ﴿مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: الآيات (2، 3)].

 

السؤال: نخشى -يا شيخنا- أن يذهب العوام إلى السحرة والمشعوذين؟

 

الجواب:

خلهم يذهبون ولا يرجعون، أنت مَن الذي كلَّفك؟! تُفسد نفسك وتفسد حياتك ودينك؛ من أجل أنهم يذهبون للسحرة! أنت ترقي؟ نصبت نفسك للرقية؟

السائل: لا -ياشيخ-، لكن هم يأتون إليَّ.

الشيخ: اترك اترك. ما يأتون إليك إلا لأنك نصّبتَ نفسك للرقية؛ فاترك هذا الشيء -بارك الله فيك-، اترك الناس لله -عز وجل-، ولا تتكلف: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: الآية (86)]. هذه حجة أول راقي في المدينة. كان زميلنا، وكان سلفيًّا جيدًا جدًّا، وكان يدرِّس في المسجد النبوي، واللهِ أثَّر في كثير من الشباب الصوفية في المدينة، أثر أكثر مِن غيره، ثم جاءه الشيطان! والله استشارني قبل أن يدخل -لأنه صديقي وزميلي- استشارني وقال: يا شيخ ربيع ! أنا علَّمت فلانًا الرقية، والآن يرقي ويأخذ فلوساً قد يأخذ على الرقية 14 ألفًا !! قلت له: أنصحك أن لا تدخل في هذا الباب. قال: والله أخاف على الناس مِن المشعوذين والسحرة. قلت: والله ما أنت مسؤول. وقلت له: أنت لا تقدر على السحرة والمشعوذين؟ فقال: نعم. فقلت له: افعل كما فعل الدعاة إلى الله عز وجل؛ الشيخ عبد الله القرعاوي جاء عندنا في المنطقة وكثير من الناس مرضى على الفرش لا يقومون، من أيّ شيء؟ من الجن، مِن الزار، مِن كذا، ويخرجون ويحصلون الجن في الليل في الأشجار، في الطرق، وكذا. وتتسلط عليهم الشياطين -جهال ما عندهم توحيد-، فجاء ونشر التوحيد، لا رقية ولا شيء -بارك الله فيكم-. كل هذه الأشياء انتهت، كلها انتهت لما انتشر التوحيد والعلم. ولما ينتشر التوحيد والعلم تذهب هذه الأشياء وتزول، ولما يطبق الجهل يكثر السحرة والكهنة والشياطين وإلخ. وفيه تعاون بين السحرة والكهنة والشياطين. فنصحته بأن يفعل كما فعل المصلحون من الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والخرافات فتذهب عنهم الشياطين فلا يحتاجون إلى الرقاة من الشياطين من السحرة وغيرهم، فأبى ودخل في الرقية -بارك الله فيك-. ! ثم بعد ذلك؛ الناس نافسوه: واحد في الرياض، وواحد في تبوك، وواحد في جدة. فكتب في الصحيفة: إن الشيطان لا يدخل في الإنسان!! وهو لما كان يرقي يضرب الإنسان ضربًا مبرحًا، يقول له: اخرج -يا عدو الله- اخرج ! يعني يعترف بأن الشيطان يدخل في الإنسان !! ثم لما كثر المنافسون له؛ قال: الشيطان لا يدخل في الإنسان!! ألاعيب وحيل -بارك الله فيكم-.

اتباع الرسول: أن تفعل كما فعل، لا تتكلفوا، أخلصوا لله عز وجل، وادعوا الله عز وجل وينفع الله عز وجل. خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذا هديه في الرقية، لا تتوسع، اسلك طريقه -عليه الصلاة والسلام- عقيدةً وعلمًا وعملا، وحتى في الرقية اسلك طريقته، ولا تتكلف أشياء ما فعلها الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

 

أوصيكم -يا إخوة- بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: الآيات (2، 3)]، في أي باب من الأبواب؛ يجعل الله لك فرَجًا ومخرجًا، إن تتقِ الله عز وجل؛ يجعل لك فرجًا في الدنيا والآخرة، تنجو بتقوى الله من غضب الله وسخطه، تنجو من عقابه في الآخرة، أعد الله لك بهذه التقوى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: الآيات (31-33)]، كل هذه تنال بالتقوى. تنال الفرج والرخاء والرحمة من الله عز وجل بهذه بالتقوى وتنال أعلى الدرجات -بارك الله فيك- في الآخرة بهذه التقوى. كن سليم العقيدة، سليم المنهج، سليم العبادة تعتقد ما شرعه الله من العقائد في أبواب التوحيد، الربوبية، في الأسماء والصفات، في توحيد العبادة، في صلاتك، في صومك، في زكاتك، في حجك، في بر الوالدين، في اجتناب المعاصي الكبائر والصغائر.

 

فعليكم بتقوى اللهِ، وعليكم بالإخلاص، الإخلاصُ ضروريٌّ في العبادة، في طلبِ العلم، في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كل الأعمال التي تتقرب بها إلى الله يجب أن تكون مخلصا فيها لله عز وجل: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر: الآية (2)]، ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر: الآية (11)]، الإخلاص لا بد منه، وإياكم والرياء، وإياكم والشرك -الشرك الأكبر والأصغر-. فأنت تتعلم تريد وجه الله، تبسط لك الملائكة أجنحتها رضًا بما تصنع، وإذا بلغتَ درجة العلماء؛ صِرت من ورثة الأنبياء في ماذا؟ في الإيمان، في التقوى، في التبليغ في الدعوة إلى الله، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في حمل راية الجهاد إذا رفعت راية الجهاد، في كل خير تنفع الناس وتدفع الشر عن الناس، ولا ينتشر الخير إلا عن طريق العلم الصحيح، ولا يقضى على الشرور إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على الشرك إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على البدع إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على المنكرات إلا بالعلم الصحيح. إذا انتشر هذا العلم وهذا الخير؛ قلَّت الفتن، قلت البدع، ذهب الشرك… إلى آخره، إذا ساد العلم في مجتمع من المجتمعات؛ كل هذه الأشياء تتبخر وتذهب إلا ما يبقى من النفاق الذي يتستر أهله هذا شيء آخر، أما الأمور الظاهرة تختفي ولله الحمد. وتتقي الله في طلب العلم، وفي نشره في الدعوة إلى الله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تخلص لله تتقيه وتخلص له.

عليكم بالعلم، عليكم بالعلم، العلم الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-: كتاب الله، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- بفهم السلف الصالح. يعني إذا صعب عليك فهم الآية والحديث؛ عندك -ولله الحمد- دُونت شروح وتفاسير القرآن؛ تفاسير السلف: تفسير ابن جرير، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، تفسير عبد الرزاق -يعني الشيء المطبوع منه-، تفسير أبي حاتم -الشيء المطبوع-بارك الله فيكم-، ويكفيكم بعضها، وتفسير السعدي جيد -بارك الله فيكم-، عليكم بكتب التوحيد، كتب العقيدة، وشروح الحديث: الحافظ ابن حجر في “الفتح” -مع تجنب زلاته في “الفتح” -، وهو أحسن شرح لكتاب البخاري -صحيح البخاري-، لكن يساعدك في فهم كثير من النصوص لا تستغني عنه -مع الحذر مما ورد في هذا الكتاب من المخالفات العقدية-.

ثم التآخي فيما بينكم -يا إخوتاه-، نحن ما عرفنا مثل هذا التفرق والتمزق. واللهِ، الفتنة -الآن- التي تكتنف السلفية والسلفيين في العالم، ما مر مثلها؛ لأن الرؤوس كثرت، وحب الزعامات انتشر -مع الأسف-، والمدسوسون بين صفوف السلفيين كثر -أيضًا-، فمزقوا السلفيين شذر مذر؛ فاحذروا من الفرقة وتنبهوا لهؤلاء المفرِّقين، وتآخوا فيما بينكم، كونوا كالجسد الواحد؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “تَرى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمى“، وقال: “المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان؛ يشد بعضُه بعضًا -ثم شبَّك بين أصابعه-“.

 

أنا أظن -الآن- أنّ كثيرًا من السلفيين إذا مرض أخوه أو أصابته مصيبة يفرح بذلك ولا يتألم ! لماذا؟! لكثرة الفتن التي انتشرت فيهم، ونشرها أهل الأهواء. أنا أقول -غير مرة-: إنا أدركنا السلفيين في مشارق الأرض ومغاربها كلهم متحابون متآخون على منهج واحد لا خلافات بينهم, فانتشرت الدعوة السلفية في العالم شرقه وغربه؛ فانتبه الخبثاء من اليهود والنصارى والمبشرين  ورؤوس الضلال من الروافض والصوفية الذين يتعاونون مع الأعداء والأحزاب الضالة، واللهِ يتعاونون مع الأعداء وبينهم علاقات خفية وظاهرة، ولا يتعاونون إلا ضد المنهج السلفي، فنشروا وبثوا سموم الفرقة في السلفيين لما امتدت في مشارق الأرض ومغاربها، بثوا سموم الفرقة في أوساط السلفيين؛ فمزقوهم شرَّ ممزق، ونشأ أناس لا يفهمون السلفية على وجهها، يزعم أحدهم أنه سلفي !! ثم لا تراه إلا وهو يقطع أوصال السلفية؛ لسوء سلوكه وسوء المنهج أو المناهج السيئة التي انتشرت وتهدف إلى تفريق السلفيين وتمزيقهم. السلفية تحتاج إلى عقلاء، تحتاج إلى رحماء، تحتاج إلى حكماء، تحتاج قبل ذلك إلى علماء. فإذا كانت هذه الأمور ليست موجودة في السلفيين، فأين تكون السلفية؟ تضيع -بارك الله فيكم-.

فتعلَّموا العلم، الذي يحس منكم بالكفاءة، الله أعطاه موهبة الحفظ، موهبة الفقه في الدين؛ يشمر عن ساعد الجد في تحصيل العلم؛ حتى ينفع الله به، ويلم بقدر ما يستطيع شتات السلفيين على دين الله الحق، ويؤاخي ويؤلف بينهم. وابحثوا عن هؤلاء، وشجعوهم في التعلم ونشر الأخوة والمودة فيما بين السلفيين. أما الآخرون -حتى لو كانوا يهودا أو نصارى- انشروا دعوتكم في أوساطهم بالحكمة والموعظة الحسنة، أنتم ما تقرؤون قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾؟ [النحل: الآية (125)]، الله يخاطب رسوله ليستخدم هذه الدعوة في أوساط الكفار؛ لأن الحكمة والموعظة الحسنة إذا فارقت الدعوة انتهت الدعوة، إذا استخدمنا التوحش في الأخلاق وتنفير الناس، خلاص انتهت السلفية ! “إنَّ منكم مُنَفِّرين“، “يَسِّرُوا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا“، استخدموا هذه الأساليب إن أردتم لأنفسكم خيرًا وللناس خيرا؛ فاتبعوا هدي القرآن والسنة في التعامل فيما يبنكم، وفي نشر هذه الدعوة ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا [الفتح: الآية (29)]، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: الآية (88)]، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: الآية (159)]، رسول الله أكمل البشر وأفضلهم وأفصحهم وأعلمهم، لولم يوجد فيه هذا الوصف؛ لانفض الناس عنه، وتركوه، وتركوا دعوته، كيف أنت المسكين !! نحتاج إلى حسن الأخلاق وحسن التعامل فيما بيننا قبل كل شي، والتآخي والتلاحم، ثم في دعوتنا نستخدم الحكمة والموعظة الحسنة.

 

﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح: الآية (29)]، إذا ما استجابوا لدعوتنا، يعني نقاتل من يستحقون القتال، طبعًا بعد المقدمات، وبعد الدعوة، وبعد البيان، وبعد كل شيء -بارك الله فيكم-. الشدة على المنافقين يعني: نقيم عليهم الحجة والبرهان، ليس بسوء الأخلاق. والشدة على الكفار: بالسيف، إذا لم يدخلوا في الإسلام، وعاندوا، وكابروا، وفعلوا وفعلوا، واعتدوا على المسلمين؛ حينئذ يشرع القتال -بارك الله فيكم-.

الشاهد: الآن نحن ما عندنا سيوف غير الحجة والبرهان والأخلاق. الأخلاق هي أمضى الأسلحة في كبت أهل الضلال ودمغهم بالحجة وفي رد الكافرين، وفيه هداية الجميع إن شاء الله -بارك الله فيكم-.

نسال الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأرجو أن يجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وطنوا أنفسكم على الاستفادة مما تسمعون من الخير والحق، وطِّنوا أنفسكم على التطبيق والعمل -بارك الله فيكم-. وإن شاء الله هذه الظواهر السيئة بالحكمة والتعقل تنتهي، وييأس الأعداء من تفريقنا وتمزيقنا، وإلا إذا لم نسمع ونستخدم هذه الأخلاق؛ فسيظل الشباب السلفي لعبة بأيدي خصومهم وأعدائهم؛ عليكم بالحكمة وعليكم بالتعقل، وعليكم بالصبر، وعليكم بالتراحم والتآخي فيما بينكم، ثم نشر هذه الدعوة بالأخلاق العالية، وسترون كيف يقبل الناس على هذه الدعوة. نسأل الله لنا ولكم التوفيق.

أستأذنكم -بارك الله فيكم- وليس المراد كثرة الكلام، الإنسان قد يسمع كلمة، وينفعه الله بها. وكان السلف قليلي الكلام، كلامهم قليل، ولكن كان نفعهم كبيرا؛ لأنهم يجدون آذانا صاغية. فنسأل الله لنا ولكم التوفيق.

 

قام بتفريغها: أحمـد الديوانـي وقام
بمراجعتها وعرضها على الشيخ: فواز الجزائري -غفر الله له ولوالديه-

عشية يوم الثلاثاء 17/5/1427 هـ

منقول من موقع الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي