الطريقة التيجانية وبدعة صلاة الفاتح
الطريقة التيجانية وبدعة صلاة الفاتح
  | البدع المنتشرة بين الناس   | 3339

الطريقة التيجانية وبدعة صلاة الفاتح

الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز

-رحمه الله تعالى-

 

السؤال:

عندنا ناس كثيرون متمسكون بالطريقة التيجانية، وأنا سمعت في برنامجكم نور على الدرب أن هذه الطريقة مبتدعة ولا يجوز إتباعها لكن أهلي عندهم ورد الشيخ أحمد التيجاني وهي صلاة الفاتح، ويقولون: إن صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهل صلاة الفاتح هذه هي الصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ حيث يقولون: إن من كان يقرأ صلاة الفاتح وتركها يعتبر كافرا، ويقولون: إذا ما كنت تتحمل هذا وتركتها فما عليك شيء وإذا تحملتها وتركتها تعتبر كافراً، وقد قلت لوالدي إن هذا لا يجوز فقالا لي: أنت وهابي، وشتماني. فنرجو التوجيه.

 

الجواب:

الطريقة التيجانية لا شك أنها طريقة مبتدعة، ولا يجوز لأهل الإسلام أن يتبعوا الطرق المبتدعة لا التيجانية ولا غيرها، بل الواجب الإتباع والتمسك بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله يقول: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[آل عمران: الآية (31)]، يعني قل: يا محمد للناس: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، ويقول -عز وجل-: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف الآية (3)]، ويقول تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر الآية (7)]، ويقول -تبارك وتعالى-: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[الأنعام الآية (153)]، والسبل: هي الطرق المحدثة من البدع والأهواء والشبهات والشهوات المحرمة، فالله أوجب علينا أن نتبع صراطه المستقيم وهو ما دل عليه القرآن الكريم، وما دلت عليه سنة رسوله عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه.

أما الطريقة التيجانية أو الشاذلية أو القادرية أو غيرها من الطرق التي أحدثها الناس فلا يجوز إتباعها إلا ما وافق شرع الله منها أو غيرها فيعمل به؛ لأنه وافق الشرع المطهر لا لأنه من الطريقة الفلانية أو غيرها للآيات السابقة.

ولقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[الأحزاب الآية (21)]، وقوله عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة الآية (100)]، ولقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وصلاة الفاتح هي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكروا، ولكن صيغة لفظها لم ترو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قالوا فيها: “اللهم صلى وسلم على سيدنا ونبينا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق”. وهذا اللفظ لم ترد به الأحاديث الصحيحة التي يبين فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة الصلاة عليه لما سأله الصحابة عن ذلك، فالمشروع للأمة الإسلامية أن يصلوا عليه -عليه الصلاة والسلام- بالصيغة التي شرعها لهم وعلمهم إياها دون ما أحدثوه.

ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أن الصحابة -رضي الله عنهم- قالوا: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)، ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أيضا من حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وفي حديث ثالث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها قد أوضحت صفة الصلاة عليه التي رضيها لأمته وأمرهم بها.

أما صلاة الفاتح وإن صح معناها في الجملة فلا ينبغي الأخذ بها والعدول عما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان صفة الصلاة عليه المأمور بها مع أن كلمة الفاتح لما أغلق فيها إجمال قد يفسر من بعض أهل الأهواء بمعنى غير صحيح. والله ولي التوفيق.

 

[المصدر: مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء السادس]

 

 

وقد سئل أيضاً -رحمه الله تعالى- عن

حكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصيغة الفاتح

 

يقول السائل في رسالته:

ما حكم صلاة الفاتح على النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصيغة: “اللهم صلِّ على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى الصراط المستقيم…” إلى آخره؟ لأنها كثيراً ما تقال عندنا بعد الفرائض بصوتٍ عالٍ، يرددها الإمام، ويرددها المصلون خلفه. أفيدونا أفادكم الله.

 

الجواب:

هذه الصلاة مما أحدثها أصحاب الطريقة التيجانية، وهي فيها أشياء ما نرى فيها مانعاً، فإنه الفاتح لما أغلق من جهة النبوة؛ لأن النبوة كانت أولاً قد انتهت بعيسى عليه السلام، ثم فتح الله ذلك على يده -صلى الله عليه وسلم-، ثم أنزل عليه الرسالة، وأمره أن يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام، لكن في هذا إجمال.

وأما الخاتم لما سبق فهو خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو ناصر الحق بالحق، والهادي إلى الصراط المستقيم، كل هذا حق، لكن استعمال هذه الصيغة التي أحدثها التيجانيون أمر لا ينبغي، بل الواجب تركها وعدم استعمالها؛ لأنها إحياء لشيء لا أصل له، وفيما بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصيغ ما يشفي ويكفي، فإنه -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل: كيف نصلي عليك؟ قال عليه الصلاة والسلام: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).

وهذه صيغة عظيمة شافية كافية، وهناك صيغ أخرى أرشد إليها عليه الصلاة والسلام منها: (اللهم صلِّ على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)، ومنها الصيغة الأخرى: (اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)، وهناك صيغ أخرى، فما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل، وهو الأفضل والأولى من هذه الصيغة التي أحدثها التيجانيون.

والمؤمن يستعمل الصيغة الشرعية التي استعملها النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، وأرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعليمه؛ اتباعاً له -صلى الله عليه وسلم-، وطاعة لأمره، وتأسياً به وبأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، وألا يعتنق صيغة أحدثها من ابتدع في الدين.

ثم أيضاً كونهم يتعاطون ذلك ويجهرون بذلك بعد الصلاة فهذا بدعة أخرى، ولو بالصيغة الثانية، فكونهم يتعاطون هذا بعد الصلاة ويرفعون أصواتهم بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا ليس له أصل، سواء بهذه الصيغة أو بغيرها، وإنما يصلي الإنسان بينه وبين نفسه على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد حمد الله والثناء عليه، أمام الدعاء، كما أرشد إلى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا دعا أحدكم، فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، ثم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء)، وهذا هو الأمر المشروع عند الدعاء في جميع الأوقات، فكونه يحمد ربه ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويدعو ربه في ليله، وفي نهاره، وفي الطريق، هذا هو الأمر المشروع،
للحديث المذكور.

والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مشروع محبوب إلى الله -عز وجل-؛ لأن الله -سبحانه- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: الآية (56)].

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً) فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع، ولكن على الوجه الذي فعله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى الوجه الذي فعله أصحابه -رضي الله عنهم-.

أما أن يقوم فيصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- جهرة بعد السلام، فهذا لا أصل له، وهو من البدع، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

وهكذا ما يفعله بعض الناس إذا فرغ من الأذان قال: (لا إله إلا الله) ورفع صوته مع الأذان بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذه أيضاً بدعة، وإنما يكمل الأذان بلا إله إلا الله، ثم يغلق المكبر، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين نفسه الصلاة العادية التي ليس فيها جهر، بل الكلام العادي، يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة... إلى آخره)، أما أن يجعلها مع الأذان جزءاً من الأذان فهذه بدعة.

 

[المصدر: فتاوى نور على الدرب الجزء الأول]