ما تعليقكم على من يقرر ويؤصل أن قواعد الجرح والتعديل إنما هي خاصة برواة الحديث؟
ما تعليقكم على من يقرر ويؤصل أن قواعد الجرح والتعديل إنما هي خاصة برواة الحديث؟
  | المقالات   | 540

ما تعليقكم على من يقرر ويؤصل أن قواعد الجرح والتعديل

إنما هي خاصة برواة الحديث؟

سئل فضيلة الشيخ العلّامة عبيد بن عبدالله الجابري – حفظه الله – :

بارك الله فيكم شيخنا، وهذا السؤال الثاني؛

يقول السائل من السعودية: ما تعليقكم – حفظكم الله- على من يقرِّر ويُؤصِّل أنَّ قواعد الجرح والتعديل إنَّما هي خاصَّةٌ برواة الحديث؟

الجواب :

أقول بادئ ذي بدء: سمعنا هذا كثيرًا مِمَّن ينتسب إلى العلم، فقد يكون تخصُّصه شرعيًّا أو غير شرعي، فمن كان تخصّصه غير شرعي فهذا جاهل ولا يُستغرب منه، إذا أمكننا أو أمكن غيرنا من ذوي الاختصاص الشرعي أن يعلِّموه فبها ونعمت، فإن قَبِلَ وإلَّا فهو سفيه.

أمَّا ذوو التخصص الشرعي فالذي يبدو لي أنهم فَصَلوا تخصُّصاتهم عن فهم السلف ومنهج السلف في هذا الباب، ومن هنا صارت عندهم استقلالية في أمور كثيرة أصَّلوا لها وقعَّدوا لها دونما حُجَّةٍ ولا برهان، هذا أَوَّل ما أقول، وهي نصيحة لكلِّ من انتسب إلى العلم الشرعي سواءً كان من الدعاة، أو من المعلِّمين، أو من المُفْتين – ولسْتُ خيرًا منهم – ألَّا يُفرِّطوا في منهج السلف، وأن يجعلوه عمدتهم، وأن يجانبوا بُنيَّات الطريق فإنها تشُلُّ بهم وتَندُّ بهم ذات اليمين وذات الشمال.

وثانيًا: أهل الحديث – وهو أشرف العلوم لأنه ملتقى لأصول الإسلام وفروعه – لهم قواعد دَوَّنوها في دواوين معروفة وجرحوا من هو أهلٌ للجرح، وعدَّلوا خلال دواوينهم من هو أهلٌ للتعديل – وهذا ما يتعلَّقُ بالرواة -، فما على من أراد أن يصحِّح أو يضعِّف إلَّا أن يسلك هذا المسلك، قد كُفِي.

الثالث – ولعلكم أدركتموه-: أنَّ أهل الحديث لم يقتصروا في الجرح بالبدعة على الرواة فقط، بل بدَّعوا وتَكَلَّموا في رجالٍ ليسوا رواة وليسوا من أهل الحديث، ومرادهم في هذا وذاك النُّصح؛ لقول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم -: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)).

وأذكُرُ هنا مثاليْن أو ثلاثة حتى لا أطيل على السامعين:

– المجروح الأول: الجهم بن صفوان؛ الضال المُضِل المبتدع بل الكافر؛ جرحه أهل العلم، وبَيَّنوا حاله للناس، قال الذهبي – رحمه الله – في الميزان قال: “وما علمته روى شيئًا ولكنه فتح شرًّا عظيمًا” والجهم بن صفوان مُجْمَعٌ على كفره، والجهمية كُفَّار.

– الثاني: الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب؛ جَرَحَهُ العلماء وبعضهم كَفَّرَهُ أو يكاد.

– والثالث: الآمدي علي بن أبي علي، قال الذهبي في ترجمته: “نُفِيَ من دمشق لسوء اعتقاده”، وصَحَّ عنه أنه كان لا يصلي. نعم.

هذه أمثلة، وأكرِّر الوصية لمن كان يحبُّ النصيحة أن لا يشِذُّ عن مسلك السلف في جميع أبواب الدين، والجرح والتعديل من أصول هذا الدين، ولكن كما قدَّمت أنه ليس متاحًا لكلِّ شخص بل هو لأصحاب الأهلية، أصحاب الخبرة.

وهناك أمر – لعله الرابع في هذه المسألة – أنَّ الناس مضطرُّون إلى جرح من يستحق الجرح ولذلك صور منها:

أنَّ القاضي يواجه طلب البيِّنة إلى المُدَّعي ويأتي المُدَّعي بشهوده على ما ادَّعاه فإنه يطلب منه تعديله.

ثانيًا: من أراد أن يزوِّج موليته؛ لأنه تقدم إليها رجل خطبها منه، فإنه إن كان ناصحًا لها حريصًا عليها لا يزوِّج هذا الرجل إلا بعد السؤال عن حاله من حيث دينه وخلقه إلى غير ذلك من الأمور، هذا من واقع حياة الناس. نعم.

[منقول من موقع ميراث الأنبياء]