اعتقاد أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعتقاد أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
  | المقالات   | 502

بسم الله الرحمن الرحيم

 اعتقاد أهل السنة والجماعة

في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:

 

«ومن أصول أهل السنة والجماعة:

سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: ((والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم))، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه”.

ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-: “اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه -وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة-.

 

ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة.

ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة.

 

مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما -بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر- أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا وربَّعوا بعلي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي- ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله.

ويحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم:”أذكركم الله في أهل بيتي”، وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: “والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي”، وقال: “إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم”.
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية، والصِّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنها، التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”.

ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
ويمسكون عما شجر من الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم خير القرون، وأن المُدَّ مِن أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كُفِّرَ به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور.
ثم القدر الذي يُنْكَر مِن فِعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله».

[من رسالة العقيدة الواسطية]