موقف السلف من أهل البدع
موقف السلف من أهل البدع
  | التفريغات العلمية والفوائد والنكت, التفريغات العلمية والفوائد والنكت من أشرطة ومقالات فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله   | 4008

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف السلف من أهل البدع

قال الشيخ نزار بن هاشم العبَّاس -حفظه الله تعالى-:

«كان السلف -رحمهم الله- يحذِّرون كلَّ التحذير من تمكين أهل البدع والأهواء من أبناء المسلمين وأطفالهم وشبابهم من طلاب العلم والدين؛ لأنَّهم سيعملون على إضلالهم وصدِّهم أو تحييدهم عن الحق وأهله، وذلك موقفٌ معلومٌ عند أهل السنة من أهل الأهواء والبدع، وإليك بعض أقوالهم -رحمهم الله- في ذلك:

    فعن عليِّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنَّه قال: «انظروا عمَّن تأخذون هذا العلم فإنَّما هو دين» وكذا نُقِلَ عن ابن سيرين والضَّحَّاك بن مزاحم وغيرهم [(الكفاية) للخطيب البغدادي، وانظر مقدِّمة الإمام مسلم في صحيحه].

    وعن ابن عمر: «دينُك دينُك إنَّما هو لحمك ودمك فانظر عمَّن تأخذ: خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا» [الكفاية].

    وعن عمرو بن قيس الملائي من أئمَّة السلف: «إذا رأيت الشَّاب أوَّل ما ينشأ مع أهل السنة فارجُه -أي: يُرْجَى له الخير والصلاح والسداد إن شاء الله-، وإذا رأيته مع أهل البدع فيْأس منه» [(الإبانة) لابن بطَّة].

    ولكن وللأسف الشديد -والله المستعان- تجد كثيراً من أولئك الشباب وقعوا في شراك وكمائن أهل الأهواء والبدع والضَّلال بحجَّة العلم وأخذه أحياناً -وليس ثمَّة علم- أو التعاون على الخير وليس هنالك من خيرٍ في أهل الأهواء والبدع وساحاتهم بل هم في ضياعٍ وتخبُّطٍ وتيه، والأعظم جرماً ذاك الذي يؤصِّل لهم ذلك التعاون مع أهل البدع وأخذ العلم عنهم ويُنَظِّرُ مخالفاً أولئك السلف الأماجد -رحمهم الله-.

    وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وسلَّم فقد أخبرنا عن هذا الواقع حتَّى رأيناه رأي العين فقد قال -صلى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُلْتَمَس العلم عند الأصاغر» [(الصحيحة) 695]. والأصاغر هم أهل الأهواء والبدع كما بيَّن السَّلف والعلماء، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: «لا يزال الناس بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا» [(الجامع) لابن عبد البر].

    فـ(الأصاغر) ليس معناه صغار السن، بل هم أهل الصَّغار والشَّـرِّ والذُّلِ والضَّلال كما قال النبي -صلى الله عليه وسلَّم-: «وكُتِبَ الذُّلُّ والصَّغار على من خالف أمري» [صححَّه الألبانيُّ في (صحيح الجامع)].

    وقد سُئِلَ عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى- عن الأصاغر من هم أو من هو؟ فقال: «الذين يقولون برأيهم، فأمَّا صغيرٌ يروي عن كبيرٍ فليس بصغير» [(الجامع) لابن عبد البر]!!

وهذا ما يسمَّى عند أهل الحديث برواية الأصاغر عن الأكابر ورواية الأكابر عن الأصاغر.

    لكن لـمَّا كان الشباب وصغار السِّنِّ فيهم العاطفة والحماسة والطَّيش وعدم التميُّز والتمييز كانت البدع إليهم أسرع ولهم أخطف!! إلا من عصم الله ورَحِم!!! فهؤلاء أصاغرٌ وصغارٌ.

    وصحَّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في وصف الخوارج وأهل البدع: «يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سُفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم -هذا خطابٌ لأهل السلطان أو جيشه- فإنَّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة»[البخاري]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «بادروا بالأعمال خصالاً ستَّاً: إمارة السفهاء، وكثرة الشُّرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفاف الدم، ونشواً -نشئاً وشباباً- يتخذون القرآن مزاميراً، يقدِّمون الرجل -أي للصلاة إماماً- ليس بأفقههم ولا أعلمهم، ما يقدِّمونه إلا ليغنيهم -أي يُطْرِبهم ويلحِّن لهم القرآن كما هو واقعٌ اليوم تماماً-»[السلسلة الصحيحة] فهذا من الابتداع والإحداث الذي ابتلى به الله كثيراً منهم هداهم الله تعالى.

    قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: «لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ؛ سفيهٍ معلن السفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ورجل له فضلٌ وصلاحٌ لا يَعرِفُ ما يحدِّثُ به» [ابن عبد البر في جامعه].

    وقال الشيخ حمود التويجريّ -رحمه الله تعالى-: «وقد صار تقريبُ أهل البدع وتوليتهم في وظائف التعليم والوثوق بهم في ذلك سبباً في إفساد عقائد كثيرٍ من المتعلِّمين وأخلاقهم فتراهم لا يبالون بترك المأمورات ولا بارتكاب المنهيَّات فلا حول ولا قوَّة إلا بالله» [تحفة الإخوان عمَّا جاء في الموالاة والمعاداة والحُبِّ والبغض والهجران].»

[من رسالة (الإشارة إلى ما في قصة أصحاب الأخدود والغلام والناطق في المهد من الإفادة)/ ص14-16]