حكم التَّمثيل في الإسلام والرَّدُّ على شبهة من أجازه
حكم التَّمثيل في الإسلام والرَّدُّ على شبهة من أجازه
  | التفريغات العلمية والفوائد والنكت, التفريغات العلمية والفوائد والنكت من أشرطة ومقالات فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله   | 1153

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم التَّمثيل في الإسلام

والرَّدُّ على شبهة من أجازه

قال فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العبَّاس -حفظه الله تعالى وبارك فيه- عند ذِكْرِهِ للفوائد المستنبَطَة من حديث جبريل الطويل:

«… ولا يجوز شرعاً -وهو من الحرام في الإسلام- أن يدَّعي بعض الناس الذين لبَّسَ عليهم الشَّيطان وزيَّن لهم أعمالهم أن يستدلُّوا بهذا الحديث أو بغير هذا الحديث من ظهور الملائكة في صورة البَشَر على جواز ما يُسَمَّى بـ(التَّمثيل) أو التَّشبُّه ببعض البَشَر والظُّهور في التَّمثيليَّات أو المسلسلات أو الأفلام التِّلفازيَّة أو السينمائيَّة أو المسرحيَّة، هذا كلُّه من الباطل؛ لأنَّ هذا الفعل الذي فَعَلَتْهُ الملائكة إنَّما هو أمرٌ دينيٌّ، أَذِنَ اللهُ لهم بذلك ففعلوا لأجل تبليغ شرع الله ولحماية شرع الله فإنَّ الملائكة -كما جاء في السُّنَّة- أنَّها نزَلَت وقاتَلَت مع النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في بَدْر نصروا دين الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء -أي الملائكة- فعلوا ذلك بإذن الله بأمرٍ قدَّره الله عزَّ وجلَّ والله يفعل ما يشاء.

وأمَّا ما يفعله المسلمون اليوم ويقلِّد بعضهم بعضاً!! ويظهر اليوم أنَّه من المسلمين وأنَّه ينصر الدِّين!! وأنَّه يحارِب في سبيل الله!! ثم يظهر في صورةٍ أخرى بأنَّه مجرمٌ!! وأنَّه رئيس مجرمين أو رئيس عصابة!! أو أنَّه يتناول مخدَّرات!! ثمَّ يمثِّل أحياناً دور الصَّحابة -رضي الله عنهم- أو تمثِّل المرأةُ دور الصَّحابيَّات!! وأنَّها امرأةٌ صالحة، وتمثِّل بعدُ دور الفاجرة تغنِّي وترقص وتُزَمِّر!!

هذا كلُّه من اللعب بالإسلام ومن اتِّباع خطوات الشَّياطين؛ فإنَّ الإسلام لا يعرف هذا التَّمثيل بكلِّ أشكاله وألوانه، لا في قديم الزَّمان ولا في حديثِه، بل -أظنُّ- لا تعرفه حتَّى العرب القدامى في جاهليَّتهم الأولى، وإنَّما جاء هذا التَّمثيل من قِبَلِ الوثنيِّين اليونان (الإغريق) على الأمَّة الإسلاميَّة -لا يعرفه أهل الإسلام- ثمَّ تسلَّل إلى المسلمين. ولمَّا ضعف المسلمون في تمسُّكهم بالإسلام واتَّبعوا سَنَنَ الماضين وطرائق الماضين وقعوا في هذا الأمر العظيم فظهروا في هذه الأشكال وفي هذه الألوان وخالفوا شرعَ الله سبحانه وتعالى.

فهذا التَّمثيل حرام؛ فإنَّ من أعظم الجرائم أن تحاكي بقيَّة المخلوقين، فلا يجوز شرعاً. فضلاً عن أن تحاكي حيواناً!!، وفضلاً عن أن تحاكي كافراً من الكفَّار!! هذا كلُّه من المحرَّمات بإجماع علماء المسلمين. ولم يجوِّز التَّمثيل إلا جاهلٌ أو عالمُ سوءٍ وضلالةٍ والعياذ بالله.

  • وكم في هذه الأمور من الشَّرِّ والفساد العظيم من اختلاط الرِّجال بالنِّساء، ومن الموسيقى، ومن الحرام، ومن تعليم النَّاس الفساد والإفساد في الأرض.

ومن أسوإ الشُّبهات: أنَّ هؤلاء الذين يمثِّلون -من الرِّجال والنِّساء- لكي يزيِّنوا للنَّاس أفعالهم هذه المحرَّمة وما فيها من الكذب؛ فإنَّ الممثِّل في حقيقة أمره كذَّابٌ لأنَّه تقمَّص صورةَ غيره وهذا من الكذب، وإنَّ الكذب ليس من أخلاق المسلمين مطلقاً، لذلك حينما قيل للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أوَيكذب المؤمن يا رسول الله؟ قال: ‹لا›، بل بيَّن النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ الكذب طريقٌ يؤدِّي إلى نار جهنَّم: ‹لا يزال الرَّجل يكذب في الحديث ويتحرَّى الكذب حتَّى يُكْتَب عند الله كذَّاباً›، قال قبلها: ‹وإنَّ الكذب ليهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور ليهدي إلى النَّار› والعياذ بالله، أمرٌ عظيمٌ هذا من أعظم الكذب، تُمثِّل الصَّحابة!! وأسوأ من ذلك أن يمثِّل البعضُ من الفجَّار أنبياءَ الله والمرسلين!! والعياذ بالله. يشوِّهون صورة الإسلام وصورة الصَّحابة وصورة الصَّحابيَّات؛ يمثِّلون الصَّحابة والرِّجال في مجلسٍ واحدٍ يختلطون! وهذا من تزيين الفساد في الأرض، فينبغي أن يحذر المسلمون من هذا الشَّر.

أقول:

من أخطر الشُّبهات التي نفَثَهَا الشَّيطان في أنفُس هؤلاء المساكين -هداهم الله-: أنَّهم يقولون إذا مثَّلوا أنواع التَّمثيل أو ما ظَهَر جديداً في مجتمعات المسلمين -وخاصَّةً في بلادنا السُّودان- من أمرِ التَّنكيت والإضحاك للمسلمين من (فِرَقِ الإنكات والتَّنكيت) كما يقولون! أنَّهم يسعون إلى علاج مشاكل المجتمع! معالجة قضايا المجتمع! اقتصادية كانت أو أخلاقيَّة أو أمنيَّة أو ما شابَهَ ذلك، يقولون: نحن نعالج قضايا المجتمع!!

فلابدَّ أن نعلم أيُّها المسلمون:

نحن -كمسلمين- علاجُ قضايانا هو في الإسلام ليس إلا، لا علاج لقضايا الأمَّة الإسلاميَّة إلا بهذا الدِّين، بهذا الإسلام، أن نرجع إلى الله وأن نرجع إلى سنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأن نطبِّق ذلك في حياتنا قولاً وعملاً، بهذا يتمُّ العلاج لهذه القضايا.

ثمَّ إنَّ فِعْلَ هذه الأفعال لهو من الطَّعن في الدِّين والإسلام؛ لأنَّ هؤلاء كأنَّهم يقولون: “إنَّ الإسلام ليس بكافٍ لعلاج الأمَّة الإسلاميَّة في أمراضها وفي إشكالاتها حتَّى نخترع لهم هذا التَّمثيل لنعالج أمراض الأمَّة”!!! هذا من الضَّلال، بل قد يكون طريقاً إلى الكفر والزَّندقة والعياذ بالله، والله يقول في كتابه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)) وما من خيرٍ إلا وبيَّنه النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وما من شرٍّ إلا وبيَّنه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، علينا بالاتِّباع ليس إلا.

وقد انشغَلَت الأمَّة بهذه المظاهر؛ عُطِّلَت الأعمال، واجتَمَعَ النَّاسُ على هذه الأمور، وصُرِفَت الأموال لكي يضحك النَّاس ليس إلا!.. وهذا والله من الغفلات العظيمة التي ابتُلِيَت بها الأمَّة، وقد صحَّ عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: ‹إنَّ من أشدِّ النَّاس عذاباً عند الله يوم القيامة الذي يكذب في الحديث ليُضْحِكَ النَّاس› تأمَّل!

  • كيف إذا انضاف إلى ذلك: أنَّه يُرَوِّج للفتنة ويضرب المجتمع بعضه ببعضٍ بالعنصريَّات والقبليَّات وبالسُّخرية بالمسلمين؟!!
  • كيف إذا انضاف إلى ذلك: أنَّك تجد الرَّجل السَّوي يتشبَّه بالنِّساء، ويقلِّد أصوات النِّساء، ويقلِّد أصوات الأطفال، ويقلِّد حتَّى أصوات الحيوانات، بل ويقلِّد حتَّى الكفَّار؟!! هل هذا من الإسلام؟! هل هكذا ينبغي أن يكون الرَّجل؟! وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ‹لعن اللهُ المتشبِّهين من الرِّجال بالنِّساء، ولعن الله المتشبِّهات من النِّساء بالرِّجال›.

إذاً أيها النَّاس، علينا أن ننتبه، علينا أن ننتبه!! كيف إذا جاء الموت على هؤلاء وهم في مثل هذه الأفعال؟! وكيف إذا جاء الموت إلى هؤلاء الحاضرين لمثل هذه الصَّنائع؟!

فلابدَّ أن ننتبه لمثل هذا الأمر وأن نعلم علماً يقينيَّاً بأنَّ علاجنا وأنَّ رِفعَتَنا وسلامتنا في الدُّنيا والآخرة بهذا الإسلام العظيم.

وعلينا أن نترك التَّقليد الأعمى للكفَّار وللذين لا أخلاق عندهم وللوثنيين ومن خَلاقَ لهم.

وعلينا أن نكون جادِّين! ما خُلِقْنَا للَّعب. كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يضحك أحياناً لا شك، وكان يمازح أصحابه أحياناً، ولكن كل ذلك بِقَدَر وبضابطٍ، وصحَّ عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: ‹إنِّي لأمزَحُ ولكن لا أقول إلا حقَّاً› انتبه!

فإذاً علينا أن ننتبه؛ فإيَّاك إيَّاك أن تغترَّ بمثل هذه الشُّبهات. إنَّ ظهور ملائكة الله بهذه الصُّور البشريَّة إنَّما هو بإذن الله وليس بتمثيلٍ، كلاَّ! وإنَّما هو إقدارٌ لله لهم على هذا الفعل».

[مفرَّغ من الدَّرس السَّابع من شرح (الأربعين النَّووية)]

لسماع المقطع الصوتي

اضغط هنا