فائدةٌ قيِّمةٌ في بيان الفرق بين الطَّاعة والعبادة
فائدةٌ قيِّمةٌ في بيان الفرق بين الطَّاعة والعبادة
  | التفريغات العلمية والفوائد والنكت, التفريغات العلمية والفوائد والنكت من أشرطة ومقالات فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله   | 3994

بسم الله الرحمن الرحيم

فائدةٌ قيِّمةٌ

في بيان الفرق بين الطَّاعة والعبادة

قال فضيلة الشَّيخ نزار بن هاشم العبَّاس -حفظه الله تعالى-:

«والطَّاعةُ والعبادةُ بينهما فرقٌ دقيقٌ؛ سُمِّيَت الطَّاعةُ بـ(الطَّاعة) لأنَّها من التَّطويع، فالعبدُ إذا عبَدَ اللهَ عزَّ وجلَّ طوَّعَ نفسَه لعبادة الله وحده لا شريك له، ولذا يُقال: النَّار تُطوِّع الحديدَ يعني تُلَيِّنه.

  • فالإيمانُ بالله وحده لا شريك له يُطَوِّع قلبَ المسلم لطاعة الله وعبادته، وتنشطُ النَّفسُ لطاعة الله وعبادته وحده لا شريك له وتكون طائعةً يعني سهلةَ الانقياد لشرع الله سبحانه، وكان بعضُ المشايخ يستأنسُ بقول القائل:

إذا حلَّت الهدايةُ قلباً ** نشطت في العبادة الأعضاءُ

الهدايةُ إذا حلَّت القلوب تنشطُ في طاعة الله الأعضاءُ؛ اللسان لا يقول إلا خيراً، اليد لا تفعل إلا خيراً، والرِّجل لا تمشي إلا إلى خير، والقلب لا يخضع إلا لله وحده لا شريك له، هذه هي الطَّاعة، والطَّاعةُ تشملُ كلَّ ما أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به ورسولُه -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الشَّرائع،

والفرقُ بينها وبين العبادة -كما سيأتي-:

أنَّ العبادةَ حقٌّ لله محض؛ لا يُعْبَد إلا الله ((وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً))

وأمَّا الطَّاعة فإنَّها تكون لله وتكون لغيره؛ فطاعة الله، وطاعة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما قال تعالى: ((يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) وطاعة وليِّ الأمر، وطاعة الزَّوجة لزوجها، وطاعة الأبناء لآبائهم. فالطَّاعة تكون لله وتكون لغيره وأمَّا العبادة فإنَّها حقٌّ لله وحده لا شريك له؛ فالنَّبيُّ عبدٌ لله، ورُسل الله عبادٌ لله وحده لا شريك له كلُّهم مشتركون في العبادة ولِذَا قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُون)) فالعبادة حقُّ الله وحده لا شريك له أمَّا الطَّاعة فإنَّها تكون لله وتكون لغيره.

ولا تكون الطَّاعة لغير الله إلا إذا أَمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها ورسولُه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهذا أمرٌ مهمٌّ لأنَّ من النَّاس من يجهل هذه الحقائق:

كطاعة الجُهَّال لبعض من يعظِّمونه من الخلق، إذا قال له من يعظِّمه: اِرْمِ نفسَك في النِّيل!! رمى نفسَه في النِّيل!!!، وإذا قال له: اِذبح ذبحاً معيَّناً!! ذَبَحَ ذَبْحَاً معيَّناً!!! وإن كان هذا الذَّبحُ شِرْكاً بالله والعياذ بالله.

وكذلك من الطَّاعات المحرَّمة (طاعة المُتحزِّبين لأحزابهم)؛ إذا تَحَزَّبَ النَّاسُ على غير الشَّريعة ودَعَتْهُم حزبيَّتُهم لطاعة من يعظِّمونه أو من يترأَّسهم أو من كان على رأسهم فإنَّها طاعةٌ محرَّمةٌ؛ فإنَّ الحزبيَّة في الإسلام لا تكون إلا لله ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

والحزبُ حزبان: حزبُ الله، وحزبُ الشَّيطان.

فمن أطاع اللهَ ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وطبَّقَ الشَّرع فهو من حزب الله، ومن خالَفَ شرعَ الله وعصى الله واتَّبَعَ شيطانَه واتَّبع من يعظِّمه كان من حزب الشَّيطان والعياذ بالله، أجارَنا اللهُ من هذه الحزبيَّة.

ولذلك ما حدَثَ في الأمَّة من تفرُّقٍ وتمزُّقٍ في أوصالها من أسبابه العظيمة: عدم التَّفريق في معنى الطَّاعة المشروع، ولذلك ينتبه المسلم وينتبه طلاب العلم لمثلِ هذه الأمور، ولذلك المسلم يعمل على طاعة الله ويسعى في طريق العلم لأنَّه بالعلم يميِّز بين الطَّاعة المشروعة وبين الطَّاعة غير المشروعة، ولذلك قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّما الطَّاعة في المعروف)، (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق) انتبه!».

[الشَّريط (3) من «التَّعليق على تجريد التَّوحيد المفيــد للمقريزي»]