الدعوة إلى توحيد الله العظيم.. علمٌ وأدبٌ وحكمةٌ (التعليق على نصيحة الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- لأهل المغرب العربي)
الدعوة إلى توحيد الله العظيم.. علمٌ وأدبٌ وحكمةٌ (التعليق على نصيحة الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- لأهل المغرب العربي)
  | قسم المشرف   | 656

بسم الله الرحمن الرحيم

الدعوة إلى توحيد الله العظيم..

علمٌ وأدبٌ وحكمةٌ

(التعليق على نصيحة الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- لأهل المغرب العربي)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأتباعه أجمعين.

أما بعد؛ فجزى الله شيخنا الوالد العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله ورعاه- خير الجزاء على هذا التوجيه العلمي الطيب والنصح الصادق الأمين الذي هو من أنوار مشكاة الإسلام لأبنائه طلاب العلم -وفقهم الله- ببلاد المغرب -حفظها الله وسائر بلاد المسلمين-، بل هو توجيهٌ وإرشادٌ وتربيةٌ لنا جميعاً طلاب العلم في كل الدنيا وخاصة تيك البلاد التي تنأى بأهلها عن ديار أهل العلم الربانيين فيفقدون:

1- المرجعية القريبة الموجِّهة للفقه والبصيرة بالفقه والبصيرة،

2- والتلقي المباشر عنهم والملازمة لأشخاصهم الكريمة -حفظهم الله ورعاهم- لأخذ علومهم النافعة وآدابهم الكريمة؛ فحين تأتيهم مثل هذه الكلمات الطيبات النيرات عليهم وعلينا أن نعمل بها وأن نلزم غرزها لأنها في حقيقة الأمر -ولله الحمد والمنة-: علمٌ أصيلٌ وعلاجٌ ناجعٌ إن شاء الله؛ ذلك لأن كثيراً من شباب الإسلام وصغار طلاب العلم المبتدأة حين يُقْبِلُون على الدعوة السلفية المباركة -التي هي مِنَّة الله على مَن شاء مِن عباده- تَحْمِلُهُم الحماسة والحميَّة على توحيد الله والدعوة إليه وخاصة حين يرون ما يرون في بلادهم مِن مظاهر وأحوال وشعارات تخالف توحيد الله الخالص وشريعته السمحاء تطيش تصرفاتهم وتفقد أقوالهم وأفعالهم ضابط الشرع وعلمه وضابط أدب العلم وسمته تجاه تلك المظاهر المخالفة لدين الله وتجاه أصحابها.

فجاءت كلمة شيخنا الجليل -رعاه الله- موجهةً للجميع أن نلزم منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم- (ومن سبقه من رسل الله -عليهم الصلاة والسلام-) الدعوي الذي هو العلم النافع والبصيرة والحكمة وحسن الأدب والسمت الدعوي في الأقوال والألفاظ، ومن هنا يتضح جلياً والحمد لله من توجيه سماحة الوالد -حفظه الله-:

(1) أن الدعوة إلى توحيد الله أصلٌ أصيلٌ في الدعوة السلفية.

(2) أن دعوة الناس كافة إلى هذا التوحيد العظيم دعوةٌ علميةٌ تنطلق من نصوص الكتاب والسنة.

(3) وأن الدعوة إلى التوحيد لابد من مراعاة الحكمة فيها ومراعاة حال وواقع المدعوين مِن جهلهم بهذا الأصل العظيم وعدم إدراكهم له.

(4) أن دعوة توحيد الله دعوةٌ تقوم على حسن الخلق والأدب الرفيع تجاه المدعوين وليست: سباً، وشتماً، وإساءةً، واحتقاراً، وسخريةً، ولفظاً بذيئاً، وإنما هي: دعوة علمٍ، ورحمةٍ، وأدبٍ كريمٍ مع الصبر والمصابرة.

(5) أن إنكار المنكر (كدعاء غير الله، والذبح لغير الله، وبدع القبور…. إلخ) أصلٌ شرعيٌّ لكنه لا يتم ويكون إلا بالعلم النافع والتوجيه الحكيم لا بالجهل والحماسة الطائشة والعنف والقوة والمغالبة. وأن الحكمة المطلوبة تجاه تلك المنكرات تكون بإظهار وبيان أصل الإسلام وحقيقته للناس (توحيد الله الخالص العلمي والعملي) الذي لمَّا جهلوه ودَفَعَتْهُم الشبهات عن تحقيقه وفهمه وقعوا في هذه المنكرات والمظاهر المخالفة لهذا التوحيد؛ فالبداءة بتأصيل هذا الأصل وتعليمه مقدَّمةٌ على إنكار هذه المنكرات المخالِفة. فإذا هُضِمَ هذا وفَهِمَهُ العامة أو مُعْظَمُهُم هان عليهم الإنكار فهماً وإدراكاً وتركاً لمن وفَّقه الله، هذه هي الحكمة السديدة في مثل تلك البيئات والمجتمعات.

(6) وعليه يُفْهَم أنه ليس من دعوة التوحيد وبيان أصله على ساق العلم والبصيرة تأصيلاً وابتداءً: الظن أن الدعوة إلى التوحيد مبناها ومبتداها بتفنيد شبهات من خالفوه أو دحض أقوالهم وتأصيلاتهم الفاسدة قبل بيان التوحيد وتعليمه وتأصيله بالعلم والبصيرة، كما يسلك هذا المسلك من لم يهضم العلم الشرعي ولم يمش على خُطَا علمائه الربانيين قديماً وحديثاً.

  • واعلم -وفقك الله- أن أهل السنة والحديث والأثر من السلف ليس من أصول علمهم ودينهم ومنهجهم (المناظرة والمجادلة والخُصومات) لنصرة الحق وأهله، بل كانوا يؤصِّلون العلوم النافعة ويقرِّرونها ويدعون إليها وينافحون عنها ويردُّون على من خالفها وينصحون ويحذِّرون من أهل الشرور والأهواء والبدع، وإن دعتهم الضرورة والحاجة إلى مناظرة ومجادلة المخالفين لهم من الفرق والأحزاب فعلوا لإحقاق الحقِّ وبيانه وردِّ الباطل وكشفِهِ والسعي إلى هداية المخالف وصيانة الموافق والغافل من المسلمين، بعلمٍ وحجَّةٍ من عالمٍ قادرٍ ناقدٍ متمكِّنٍ ثابتٍ أو طالب علمٍ راسخٍ على جادَّته كما ناظر وجادل نبيُّ الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- النَّمرود وقومه المشركين كما جاء في القرآن، وكما ثبت عن ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مناظرتُه ومخاطبته للخوارج وذلك بحمد الله موجودٌ متقرِّرٌ في السيرة السلفية.

أمَّا أن تُتَّخذَ المناظرة والمخاصمة للمخالفين وسيلةً أصليَّةً في الدعوة ونشر العلم -كما هو واقعٌ عند كثيرين اليوم ممَّن يدَّعي العلم والدَّعوة إليه!- فهذا لا شكَّ ولا ريب من الخطأ والخلل والجهل، ناهيك عن مخالفة الأسلاف والأعلام، وعاقبته وخيمة من ظهور التعالم والأدعياء وبُغض الحق وردِّه من بعض المسلمين وإن ادَّعى من يدَّعي أن تلك المناظرات جاءت بخيرٍ وعرف بسببها بعضُ الناس الحقَّ -بحسب الزعم- فإنَّه يقال: ليس في الإسلام (الغاية تبرِّر الوسيلة) بل الغاية الصحيحة تدعو إلى تصحيح الوسيلة والسَّير على المسالك المرضيَّة وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» [رواه البخاري].

[راجع للأهمية: موقف أهل السنة من المناظرة والمجادلة والخصومات/ من رسالة (الإشارة إلى ما في قصة أصحاب الأخدود من الإفادة)].

(7) أن الدعوة إلى توحيد الله الخالص دعوة رحمةٍ وإنقاذٍ وتصحيحٍ وتوجيهٍ لكل خيرٍ، ولا تتحقق لمن يرومها ويسعى إليها علماً وتعلُّماً وتقرُّباً إلى الله إلا باتباع وتحقيق منهج النبوة ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))، ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)). وذلك لا يتأتى كما وجَّه الشيخ -حفظه الله- إلا بالرجوع إلى مراجع العلم وكتبه الموثوقة وفهمها واستيعابها.

وعلى الشباب الذين مَنَّ الله عليهم بالحق ومنهجه في وسط تلك المجتمعات التي تعج بتلك المنكرات أن يحمدوا الله ويشكروه على نعمة الحق والإنقاذ إليه، ولينظروا إلى من يقومون بدعوتهم وتوجيههم بنظر الرحمة والشفقة، وليذكروا دوماً وأبداً في مثل هذه الحال قول الله تعالى: ((كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا))، وقوله: ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فوالله! لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم» [متفق عليه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» [رواه مسلم]؛ فإن هذا أدعى إن شاء الله إلى الحرص على الخير والرحمة بالغير وتحقيق الإخلاص والازدياد والنهمة في طلب العلم النافع والصبر.

فجزى الله خيراً شيخنا العلامة الربيع -حفظه الله ورعاه وباركه- على هذا التوجيه والنصح السديد الموجز المفيد، وأطال الله عمره في طاعته، ومتَّعَنَا بذاك ونافع علمه، حفظه الله ورعاه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمدٍ وآله أجمعين.

كتبه

نزار بن هاشم العباس

خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية

والمشرف على موقع راية السلف بالسودان

28/رجب/1437هـ

www.rsalafs.com