كَلِمَةٌ حَوْلَ وَفَاةِ الأَخْ مُـحَمَّدْ إِسْلاَم الأَمْرِيكِيّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
كَلِمَةٌ حَوْلَ وَفَاةِ الأَخْ مُـحَمَّدْ إِسْلاَم الأَمْرِيكِيّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
  | قسم المشرف   | 614

بسم الله الرحمن الرحيم

كَلِمَةٌ حَوْلَ وَفَاةِ الأَخْ

مُـحَمَّدْ إِسْلاَم الأَمْرِيكِيّ

-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-

قال فضيلة الشيخ نزار بن هاشم العباس -حفظه الله تعالى وبارك فيه-:

«قبل أن نواصل في إكمال شرحنا الماضي نقفُ وقفةً عاجلة، وهي وقفة ذكرى لنا جميعاً، ووقفة عظةٍ لعموم المسلمين ولطلاب العلم والحق على وجه الخصوص؛

فقد قَدَّرَ الله عزَّ وجل -وقدُره عزَّ وجلَّ يجري ولا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه وقدره-؛ قَدَّرَ الله عزَّ وجلَّ فَقَدْنا في هذه الحلقة -حلقة العلم هذه إن شاء الله تعالى- فَقَدْنَا أخاً عزيزاً وطالبَ علمٍ وطالبَ حقٍّ وطالبَ حقيقةٍ -نحسبه كذلك والله حسيبه-، ألا وهو أخونا في الله عزَّ وجل محمد الأمريكي الذي كان يُسَمَّي وكان يَتَسمَّي قبل إسلامه بـ(فرانك)، فمَنَّ اللهُ عليه بالإسلام فتَسمَّي بـ(محمد إسلام).

وكان -رحمه الله تعالى- من المواظبين على هذا الدرس وعلى لقاء إخوانه وعلى نيل العلوم الشرعية من خلال هذا الدرس ومن غيره.

محمدٌ هذا -رحمه الله برحمته الواسعة- كان معروفاً لدى طلاب العلم هاهنا، بل كان معروفاً عند طلاب العلم خارج هذه البلاد وعند علمائنا وبعض مشايخنا -رحمه الله تعالى-.

قَدَّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه الموتَ كما هو حال كلِّ حيٍّ: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الـمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَة فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُور)). فقَدَّر الله عزَّ وجلَّ عليه حادث حركة وهو في طريقه إلى منطقةٍ من شرق السودان، فتوفِّي -رحمه الله تعالى- إِثْر هذا الحادث الذي قضاه الله عزَّ وجلَّ عليه. اللهَ نسألُ لنا وله الرحمة وأن يغفر له وأن يعلي مِن درجته في علِّيِّين وأن يغفر لنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.

ومحمدٌ هذا -رحمه الله- هذا الطالب وهذا التلميذ النجيب؛ لأنَّ نجابته تظهر في تلمُّسه للحق؛ أسْلَمَ -رحمه الله- في عام ١٩٩٠ ميلادية. ويحكي لبعض الإخوة وبعض الثِّقاة أنَّه سافر من أمريكا لطلب الحق وليعرف دين الله عزَّ وجلَّ، فانطلق من هنالك إلى دولة (الهند) بحثاً عن الحق بحثاً عن الإسلام؛ انظر كيف يهاجر وكيف يترك بلاده ليعرف الحق الذي أمر الله عزَّ وجلَّ به العباد. فيخبر عن نفسه بأنَّه لما دخل إلى الهند وجد جماعاتٍ من الناس من الكفار يعبدون الحيوانات بل حتى يعبدون عورات الرجال والنساء!! والعياذة بالله. فقال: لا يمكن أن يكون هذا من الحق ولا يمكن أن يكون هذا من الدين. ثم رأى بعضهم الذين ابتلاهم الله بالتَّشيُّع والرَّفض يضربون أنفسهم بسلاسل الحديد وتسيل دماؤهم -أعني الشيعة- فقال: لا يمكن أيضاً أن يكون هذا من الحق ولا يمكن أن يكون هذا هو الإسلام، رحمه الله. فأراد الله عزَّ وجلَّ له أن يرى رجلاً يصلي، فسأله عن فعله هذا يركع ويسجد؟! فأخبره بأنَّه من المسلمين وأنَّ هذا من الإسلام وأنَّه يصلي لله سبحانه وتعالى، فاعتنق الإسلام وصار من أهل الإسلام في ذلك الحين -رحمه الله برحمته الواسعة-. لكنه بقَدَر الله عزَّ وجلَّ وجَدَ هذا المسلم الذي يصلي نعم هو من المسلمين لكنه للأسف كان ينتمي إلى بعض الطوائف التي انتشرت في عالم الناس اليوم (في الهند وفي باكستان بل حتى في بلاد السودان وفي عموم أفريقيا وفي أوروبا)، كان ينتمي إلى طائفةٍ تُسمَّي بـ(طائفة التبليغ) أو بـ(جماعة الخروج والدعوة)، والدعوة ليست على منهج هؤلاء لأنَّ الدعوة إلى الله على منهج النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو منهجٌ معروف، فكان معهم في هذه الجهة وفي هذه الطائفة -أعني جماعة التبليغ-. وكان الرجل -رحمه الله- متلمِّساً للحق والحقيقة فسافر معهم راجعاً إلى أمريكا ويبدو أنَّه سافر إلى بعض بلاد العالم أيضاً، فلما رآهم يخرجون من بلادهم الهند وفيها مافيها من عبادة غير الله وعبادة الحيوانات، بل يخبرنى بعض الثقاة بأنَّ الهند فيها مَن يعبد النَّمْلة!!، وفيهم من يعبد الأوثان -بارك الله فيكم وعافاكم الله-، ومنهم من يعبد العورات والعياذة بالله، ويحدِّثنا بعض مشايخنا -حفظه الله وأطال عمره في طاعته- أنَّه ذهب زيارةً فيما مضى إلى الهند للدعوة إلى الله وإلى دعوة الناس إلى الإسلام وإلى السنة، قال: “وكنا ندعوهم في زيارتهم للهند إلى توحيد الله أن يعبدوا الله وحده لاشريك له، وإذا أردنا أن نضرب مثالاً على عبادة غير الله نقول: لا تعبدوا البقر كما يعبده هؤلاء، ولا تعبدوا الحجارة كما يعبدها هؤلاء”، يعني البلاد مملوءة بمظاهر الوثنية والضلال والبدع -أنقذهم الله إلى الإسلام والسنة-. فذهب أخونا محمد إسلام -رحمه الله- إلى أمريكا مع هؤلاء فاستغرب دعوتهم في تلك المناطق فأنكر عليهم، قال لهم: “أنتم تخرجون من بلادكم (يعني الهند) والهند فيها مافيها من مايحتاج إلى إصلاح وإلى دعوة وإلى تصحيح المسار؟!! كيف تتركون عشيرتكم وأبناءكم وبني جلدتكم ثم تذهبون بعيداً عنهم لتدعوا في أمريكا وغيرها؟!!”. فكان ذلك بفضل الله عليه سبباً لتركه لهذه الطائفة.

ثم واصل مسيرته في التعرُّف على الحق وإلى طائفة الحق إلى أن هداه الله عزَّ وجلَّ. ثم وُفِّقَ لبعض أهل السودان في بعض بلاد العالم فحدَّثوه عن السودان ووجد منهم معاملةً طيبةً فعزم على الدخول والذهاب إلى بلاد السودان من منطقته هنالك في بعض جهات آسيا.

فجاء إلى السودان ووفَّقه الله عزَّ وجلَّ فالتقى بإخوانه السائرين على منهج السلف الصالح فتدَارَس معهم وتلقَّى معهم العلوم الشرعية، وعمل -رحمه الله تعالى برحمته الواسعة- في بعض الجهات التعليميَّة الخاصَّة.

فرحمه الله.. دعا في وسط هذه المناطق إلى الإسلام وإلى تصحيح المظاهر المخالِفَة للإسلام، وربَّى جماعةً من الشباب والطلاب على دعوة الله عزَّ وجلَّ وبيَّن لهم ما يجب لهم تجاه ربهم وتجاه نبيهم محمد -صلَّى الله عليه وسلم-؛ فكان -رحمه الله- داعيةً بحسب حاله وبحسب ما أعطاه الله عزَّ وجلَّ من علمٍ ومعرفة، ثم ناصَرَ دعوة الحق في هذه البلاد وكان مِن نفقته الخاصة -رحمه الله تعالى- ينشر ما يصدر من إصدارات ومن كتيبات ينشرها في بعض مناطق السودان وبين بعض المسلمين. بل كان أحياناً يجلب بعض الشباب الذين حصل لهم شيءٌ من الغبش في طريقهم الدعوي لتُقَدَّم لهم النصيحة والإرشاد ليسلكوا المسلك الصحيح الذي تركه لنا نبي الرحمة -صلَّى الله عليه وآله سلَّم-.

وكان من أمنياته أن يقضي بقية حياته في بلاد السودان لما وجد بحمد الله تعالى من إخوانه ورفقاء دربه على الحق يسيرون، وما وجد أيضاً من أهل السودان من طيب المعشر وحسن المعاملة ومِن حسن الجوار وحسن التعامل، تمنى أن يقضي بقية حياته في هذه البلاد فكان له ما أراده بقدر الله ومنَّته عليه؛ فمات في هذه البلاد ووري جثمانه في يوم أمس بعد صلاة العصر.

فاللهَ نسأل لنا وله الرحمة، وعلينا أن لا ننساه من الدعاء، وأن نقف مع قصته وعبرته وقفةً في حب الحق والسعي إليه وطلبه أينما كان؛ كيف ترك تلك البلاد التي يتمنى كثير من أبناء المسلمين فضلاً عن الكافرين يتمنَّون كل الأماني أن يذهبوا إلى تلك البلاد إلى أمريكا ليقفوا هنالك على بعض الحضارات المزيَّفة أو بالبقاء في أحضان الأمريكيين، وهذا يترك تلك البلاد سعياً للحق وسعياً للإسلام. فاللهَ أسأل أن يعطيه بقدر نيَّته، وأن يجزيه خير الجزاء، وأن يخلف على أهله بخير، وأن يُعين أبناءه وذريته على السير على طريقه على طريق الحق والسير الصادق على منهج السَّلف الصالح، كما أسأل الله سبحانه وتعالى أن يواصل من كانوا معه زملاء في دائرة التعليم والتوجيه أن يواصلوا مسيرة محمد الأمريكي المسلم -رحمه الله تعالى- التي بَذَرَها في وسط الطلاب وفي وسط الذراري، أن يواصلوا رعاية هذه البذرة وأن يواصلوا رعاية هذه الذرية على العلم وعلى إقامتهم على كتاب الله وعلى سنَّة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

نعم نحزن على فقده، ولا نملك إلا أن نقول كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم -رضي الله عنه وعليه السلام- قال: “إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون” واللهَ نسأل لأخينا محمد الرحمة والمغفرة وأن يوسع له في قبره مدَّ بصره وأن يخلف على أهله بخير، وأن يعيننا وإياكم جميعاً على السير الصادق على طريق الحق على طريق العلم النافع، وأن نموت ونحن إن شاء الله تعالى من طلاب الحق والحقيقة، وأن نلقى الله ونحن على هذا الحق وعلى هذا الصراط المستقيم.

بارك الله لنا ولكم في العلم، وبارك في أعمارنا وأعماركم جميعاً، وجعلنا وإياكم مفاتيح خيرٍ مغاليق شرٍّ؛ فلا تنسوه من صالح الدعاء ومن صالح دعاء الله عزَّ وجلَّ له بالمغفرة وأن يصلح له أهله وأن يصلحنا أجمعين.

رحمه الله برحمته الواسعة».

[تفريغ مقدمة الدرس العشرين من شرح (الأربعين النوويَّة)]

[بتأريخ: 17/ربيع الآخر/1435هـ]

جزى الله خيراً من فرَّغها واعتنى بها

موقع راية السَّلف بالسُّودان

www.rsalafs.com