التحذير من الاستماع إلى قراءات وتلاوات القرآن من أهل الأهواء والبدع والتمكين لهم ببث تلاواتهم في المحافل والمواقع السلفية
التحذير من الاستماع إلى قراءات وتلاوات القرآن من أهل الأهواء والبدع والتمكين لهم ببث تلاواتهم في المحافل والمواقع السلفية
  | قسم المشرف   | 5842

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من الاستماع

إلى قراءات وتلاوات القرآن من أهل الأهواء والبدع والتمكين لهم ببث تلاواتهم في المحافل والمواقع السلفية

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..

أما بعد؛ فأقول بالله مستعيناً:

قال أحد السلف -رحمه الله-: «من أرشد إلى صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام» وهذا ربَّـما أخَذَه من قوله تعالى: ((وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَان)) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من سنَّ في الإسلام سنَّةً سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ» [صحيح مسلم] وهذا وغيره من النصوص في بيان أدلة أقوال السلف لا يخفى عليكم إن شاء الله؛ عليه:

فإنَّ الاستماع لتلاوة قرآن بعض المعروفين بانحرافهم وانصرافهم عن المنهج السلفي وعلمائه بل هم في معاقل ومعاطن المخالفين (له ولهم) لَيُؤدِّي إلى مفاسد ومخالفات خطيرة يُـخَاف من سوء مغبَّتها وشرِّ عاقبتها، منها:

(1) مخالفتُنا لمنهج السلف الصالح في الاستماع لقراءة القرآن من أهل البدع والضلال؛ حيث فرُّوا من ذلك ومنعوه وآثارهم في كتب العقائد السلفية مسطورةٌ تُبيِّن بجلاءٍ مواقفَهم المشرفة من أهل الأهواء والبدع وقرائهم. روى الآجري في الشريعة عن سام ابن أبي المطيع أنَّ رجلاً من أهل الأهواء قال لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة؟، قال: فولَّى أيوب وجعل يشير بأصبعه: «ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة»، وعن أسماء بن خارجة قال: دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر نحدِّثك، قال: «لا»، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ؟، قال: «لا، لتقومنَّ عني أو لأقومنَّه فقام الرجلان فخرجا».

وهذا يترتَّب عليه -أي مخالفتنا لهم في ذلك-:

(2) مخالفة نصوص الكتاب والسنة لأنَّـهم ما وقفوا ذاكم الموقف إلا تطبيقاً وعملاً بنصوصهما في هذا الشأن وغيره، والله يقول: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).

(3) تعظيم هؤلاء القراء المخالفين ورفع شأنهم بجعلهم في هذا المقام العام العظيم، والواجب تجاههم خلاف ذلك؛ وبالتالي:

(4) سنرْشِدُ إليهم ونربط بهم السامعين والمتابعين؛ ومن ثم:

(5) سنربطهم بهم في ذواتهم وأشخاصهم وأعيانهم، وهذا سيقودنا ونحن نعلم ونشعر أو لا نشعر إلى:

(6) زج المسلمين في أحضان أحزاب وفرق أولئك القراء؛ لأن:

(7) الاستماع إليهم يولِّد في القلوب محبتهم والإعجاب بهم -ومنهج السلف على خلاف ذلك لا شك- والمحبُّ لمن يحبُّ مطيعٌ متَّبِعٌ عنه باحثٌ وعن جهته يفتِّش، وسنكون بالتالي وبأيدينا نحن:

(8) حقَّقْنا لأهل البدع وقرائهم ما يريدون من جمع الناس حولهم في ظلال أحزابهم، وهذا من غايات وأهداف قراء أهل البدع وفرقهم. قال الحافظ الخطابي -رحمه الله تعالى- في كتابه (العزلة):

«حدَّثنا إبراهيم بن فِراس، قال: حدَّثنا أحمد بن علي المروزيُّ الأعرج، قال: حدَّثنا الفضل بن عبد الجبار، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالقانيُّ، قال: حدَّثنا أبو جعفر البصري، قال: قال مالك بن دينار: مَثَلُ قراء هذا الزمان كمَثَل رجلٍ نصَبَ فَخَّاً ونصَبَ فيه بُرَّةً، فجاء عصفورٌ فوقَعَ قريباً منه، فقال له: ما غيَّبَك في التراب؟ فقال: التواضع، قال: مما انحنيت؟ قال: من طول العبادة، قال: ما هذه البُرَّة المنصوبة فيك؟ قال: أعددتها للصائمين، قال: نِعْمَ الجارُ أنت.

قال: فلمَّا أمسى وغابت الشَّمس دنا العصفور فأخذ البُرَّةَ فخَنَقَه الفخُّ. قال العصفور: إنْ كان كلُّ العباد يخنقون خَنْقَك فلا خير في العباد اليوم»، وبالتالي وللأسف الشديد نكون:

(9) قد غرَّرْنا بالمسلمين وشبابهم وصرنا لفرق الضلال باباً ودَرَجَاً إليهم والله المستعان، وبالتالي شعرنا أو لم نشعر:

(10) تعاوَنَّا معهم على الإثم والعدوان، و:

(11) كثَّرْنا سوادَ أهل البدع من داخل أرضنا وعقر دورنا، و:

(12) أَضْعَفْنَا أهلَ السنة وقلَّلْنا سوادَهم، بل:

(13) صرَفْنَا عنهم لأننا لمن خالَفَهم أَرْشَدْنا ووجَّهْنَا وفي أحضانهم رمينا بأبنائنا وأمَّتنا.

(14) وهذا لا شك ليس من الأمانة والنصح لهم ولدين الله، بل:

(15) هو صميم التغرير بهم والخيانة لهم.

(16) تشويه صورة القرآن بهذه التلاحين والتنطعات الصوتية التي أحدثَها قراء أهل البدع وبها اشتهروا ولها روَّجوا، وصَرْف الأمة عن مراد الله لهم بإنزاله من تدبُّره والعمل بأحكامه لأنَّ سعيهم وجلَّ همِّهم سيكون في سماع الأصوات وغنائها ونغماتها وأصحابها ليس إلا!! وهذا من أشراط الساعة التي أخبر بها -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «بادروا بالأعمال خصالاً ستَّاً: إمارة السفهاء، وكثرة الشُّرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفاف الدم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير، يقدِّمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم، ما يقدِّمونه إلا ليغنيهم» [السلسلة الصحيحة]. وقد رأى هذا من وعى رأيَ العين والله المستعان.

(17) ناهيك عما في تلاواتهم من البدع والإحداث والتنطع والتكلف والتلحين الصوتي ومياعته، وهذا:

(18) مما يغرِّر بالمسلمين أيضاً في شأن القرآن وصحة قراءته ويؤدي إلى الوقوع فيما حذَّر منه السلف من:

(19) الغلو في أحكام تجويد القرآن والتنطع فيها والابتداع في أصوات الحروف ومخارجها من إمالةٍ وإشباعٍ ونحو ذلك، وحينها بسببهم:

(20) يظنُّ كثيرٌ من المسلمين المتأثرين بهم -بسببنا نحن- أنَّ تلاوة القرآن وصحة أدائه لا تكون إلا على طريقتهم ومنوال أدائهم، وهذا نوع تغريرٍ بهم آخر والعياذة بالله؛

(21) فيقلدونهم أداءً وربما صوتاً على ذلك الغلو والتنطع والمحبُّ بجهله أو هواه مطيعٌ لمحبوبه له مقلِّدٌ:

(22) وقد يتوهم حينها أيضاً كثيرون من أبنائنا وشباب أمتنا أنَّ تجويد القرآن حكمه الوجوب لا غير لِـما رأوا من غلوِّ إقامته ورعايته من قراء أهل البدع(1)، وربما ظنُّوا بجهلهم ولما يقرره بعض غلاة التجويد أنَّ الإثم يلحق تارك تجويد القرآن بل وتبطل بذلك صلاته!! (والناظر المدقِّق المحقِّق بتوفيق الله له يصل إلى القول بعدم وجوبه بل استحبابه كما هو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والعلامتين ابن باز والعثيمين وغيرهم -يرحمهم الله تعالى-)، ويتولَّد من ذلك الغلو في التجويد والجهل بخلاف العلماء فيه:

(23) الانصراف والبعد عن كبار علماء السلفية وطلابهم وعلومهم الذين لا يرون ذاك الوجوب إلى من؟! إلى أهل البدع وقرائهم وعلماء ضلالهم، وربما:

(24) نظروا -أولئك الجهال والمغرَّر بهم من الأمة- إلى علماء السلفية الأكابر وطلابهم بعين الاحتقار والتجهيل والتنقص لأنهم لا يرون الوجوب ولا يطبقون أحكامه في تلاواتهم الطيبة أثابهم الله.

وهذا وغيره من الشرور والآفات تجاه الحق وعلمائه نتاجٌ حتميٌّ لازمٌ -إلا من وقى الله وعصم- لتمكيننا لأمتنا وشبابها من قراء أهل البدع والانحراف ورَبْطِنا لهم بهم وبـــ

(25) علمائهم ورؤوس فِرَقِهم لا محالة؛ لأنَّ قراء المبتدعة يمثِّلون فرَقَهم وعلماءَهم كما هو معلوم، وبهذا وللأسف الشديد نكون:

(26) قد خالَفْنَا بل وفَرَّطْنَا فيما أوجبه الله علينا تجاه أنفسنا وغيرنا بقوله تعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))، ومن ذلك ربطنا لأمَّتنا بغير مرجعيَّاتها من علماء السلفيَّة وطلابهم، بل:

(27) فرَّطنا في هذه الأمة وشبابها وضعيناها عن مسارها الذي أراده الله لها ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون))، و:

(28) وزججنا بها وللأسف الشديد في أوحال أهل البدع والضلال وأودية الحيرة والتيه.

(29) بل غرَّرنا بهؤلاء القراء المخالفين أنفسهم ولم ننصح لهم لأنَّنا بنَشْرِنا لتلاواتهم وتمكيننا لهم في الأرض وعدم هجرنا -الشرعي- لهم قد يظنُّون: أنَّنا نقرُّهم ونرتضي ما هم عليه من المخالَفة للحق وأهله فيبقون على ما هم عليه من الانحراف والضلال ويستمرءون ذلك لأنَّنا فرَّطنا في الموقف السلفي الناصح الناصع تجاههم.

ولكي تبرأ ذمَّتنا وننصح لأنفسنا وسائر المسلمين لَزِمَنَا شرعاً وأمانةً أيها المسلمون -بارك الله فيكم- أن ننزِّه أسماعنا ومجالسنا ودُورَنا ومواقعنا السلفية بالشبكة الإلكترونية من أمثال هؤلاء القراء المخالِفين للسنَّة وأهلها والاكتفاء بتلاوات وقراءات علمائنا وقرائنا السلفيين -أثابهم الله- الطيبة ففيها بحمد الله وفضله خيرٌ وغنيةٌ وإنْ قَلَّ عددها وعددهم فإنَّ الحق -بفضل الله وقوَّته- لا تضرُّه القلَّة ولا تنقص قدره وأهله، والقرآن للتدبر والعمل نزَل ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) لا للتلاوة فحسب، بل قال ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه-: «إنَّكم في زمانٍ كثيرٌ فقَهاؤُهُ قليلٌ خطباؤُهُ قليلٌ سؤَّالُهُ كثيرٌ معطوهُ العملُ فيهِ قائدٌ للْهوى وسيأتي من بعدِكم زمانٌ قليلٌ فقَهاؤُهُ كثيرٌ خطباؤُهُ كثيرٌ سؤَّالُهُ قليلٌ معطوهُ الْهوى فيهِ قائدٌ للعملِ اعلَموا أنَّ حُسنَ الْهديِ في آخرِ الزَّمان خيرٌ من بعض العملِ» [السلسلة الصحيحة].

ولذا أخذنا على أنفسنا ومن معي من الإخوة والأبناء بموقعنا (راية السلف بالسودان) ألا نجعل في قسم القرآن إلا تلاوة علمائنا السلفيين كالأشياخ الأجلاء: الخليفي وخياط والسبيل وابن باز والعثيمين والألباني وغيرهم -رحمهم الله- والمصحف المرتل لفضيلة الشيخ الحذيفي -حفظه الله-.

واللهَ أسأل أن يصلحنا ويهدينا ويسددنا.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّه محمد وآله وسلَّم.

وكتبه

نزار بن هاشم العباس

خرِّيج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة

والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان

7/ ذو القعدة/ 1434هـ


(1) قريباً -بإذن الله- ستصدر كتابة في بيان حكم تجويد تلاوة القرآن.